تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٠٠
كلام العرب: لا ودي. وفي السماء بيته يعنون الله تعالى. وإذا احتملت الآية هذه الوجوه لم يتعين حملها على ما ذكر، وخص الجهر بالذكر إما إخراجا له مخرج الغائب، وإما اكتفاء بالجهر عن مقابله، أو لكونه أفحش.
* (وكان الله سميعا عليما) * أي سميعا لما يجهر به من السوء، عليما بما يسر به منه. وقيل: سميعا لكلام المظلوم، عليما بالظالم. وقيل: سميعا بشكوى المظلوم، عليما بعقبى الظالم، أو عليما بما في قلب المظلوم، فليتق الله ولا يقل إلا الحق. وهذه الجملة خبر ومعناه التهديد والتحذير.
* (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا) * الظاهر أن الهاء في تخفوه تعود على الخير. قال ابن عباس: يريد من أعمال البر كالصيام والصدقة. وقال بعضهم: في تخفوه عائد على الخير. قال ابن عباس: يريد من أعمال البر كالصيام والصدقة. وقال بعضهم: في تخفوه عائد على السوء، والمعنى: أنه تعالى لما أباح الجهر بالسوء لمن كان مظلوما قال له ولجنسه: إن تبدو خيرا، بدل من السوء، أو تخفوا السوء، أو تعفوا عن سوء. فالعفو أولى وإن كان غير المعفو مباحا انتهى. وذكر إبداء الخير وإخفاءه تسببا لذلك العفو، ثم عطفه عليهما تنبيها على منزلته واعتدادا به، وإن كان مندرجا في إبداء الخير وإخفائه، فجعله قسما بالعطف لا قسيما اعتناء به. ولذلك أتى سبحانه وتعالى بصفة العفو والقدرة منسوبة له تعالى ليقتدى بسنته، ويتخلق بشيء من صفاته تعالى. والمعنى: أنه يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام، وكان بالصفتين على طريق المبالغة تنبيها على أن العبد ينبغي أن يكثر منه العفو مع كثرة القدرة على الانتقام. وفي الحديث الصحيح: (من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا) *. وقال تعالى: * (*) *. وقال تعالى: * (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) *. وقال الحسن: المعنى أنه تعالى يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام فعليكم بالعفو. وقال الكلبي: معناه أني أقدر على العفو عن ذنوبك منك على هفوك عن صاحبك. وقيل: عفو المن عفى قديرا على إيصال الثواب إليه.
* (إن الذين يكفرون بالله ورسله) * قال الحسن، وقتادة، والسدي، وابن جريج: نزلت في اليهود والنصارى، آمنت اليهود بموسى والتوراة وكفرت بعيسى ومحمد عليهما السلام، وآمنت النصارى بعيسى والإنجيل وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم) والقرآن. وقيل: نزلت في اليهود خاصة، آمنوا بموسى وعزيرا والتوراة وكفروا بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن. ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما بين ما عليه المنافقون من سوء الخليقة ومذموم الطريقة، أخذ في الكلام على اليهود والنصارى، جعل كفرهم ببعض الرسل كفرا بجميع الرسل، وكفرهم بالرسل كفرا بالله تعالى.
* (ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) * أي يفرقوا بين الإيمان بالله ورسله، يقولون نؤمن بالله ولا نؤمن، بفلان، وفلان من الأنبياء.
(٤٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 ... » »»