تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٧٨
وذلك مقرر في علم النحو.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): الإضافة في يتامى النساء ما هي؟ (قلت): إضافة بمعنى من هي إضافة الشيء إلى جنسه، كقولك: خاتم حديد، وثوب خز، وخاتم فضة. ويجوز الفصل واتباع الجنس لما قبله ونصبه وجره بمن، والذي يظهر في يتامى النساء وفي سحق عمامة أنها إضافة على معنى اللام، ومعنى اللام الاختصاص. وقرأ أبو عبد الله المدني: في يتامى النساء بياءين، وأخرجه ابن جني على أن الأصل أيامى، فأبدل من الهمزة ياء، كما قالوا: باهلة بن يعصر، وإنما هو أعصر سمي بذلك لقوله:
* أثناك أن أباك غير لونه * كر الليالي واختلاف الأعصر * وقالوا في عكس ذلك: قطع الله أيده يريدون يده، فأبدل من الياء همزة. وأيامى جمع أيم على وزن فعيل، وهو مما اختص به المعتل، وأصله: أيايم كسيايد جمع سيد، قلبت اللام موضع العين فجاء أيامى، فأبدل من الكسرة فتحة انقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. وقال ابن جني: ولو قال قائل كسر أيم على أيمي على وزن سكرى، ثم كسر أيمي على أيامي لكان وجها حسنا.
ومعنى ما كتب لهن قال ابن عباس، ومجاهد، وجماعة: هو الميراث. وقال آخرون: هو الصداق، والمخاطب بقوله: لا تؤتونهن أولياء المرأة كانوا يأخذون صدقات النساء ولا يعطونهن شيئا. وقيل: أولياء اليتامى كانوا يزوجون اليتامى اللواتي في حجورهن ولا يعدلون في صدقاتهن. وقرئ: ما كتب الله لهن. وقال أبو عبيدة: وترغبون أن تنكحوهن، هذا اللفظ يحتمل الرغبة والنفرة فالمعنى في الرغبة في أن تنكحوهن لما لهن أو لجمالهن، والنفرة وترغبون عن أن تنكحوهن لقبحهن فتمسكوهن رغبة في أموالهن. والأول قول عائشة رضي الله عنها وجماعة انتهى. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ الناس بالدرجة الفضلى في هذا المعنى، فكان إذا سأل الولي عن وليته فقيل: هي غنية جميلة قال له: اطلب لها من هو خير منك وأعود عليها بالنفع. وإذا قيل: هي دميمة فقيرة قال له: أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك. والمستضعفين معطوف على يتامى النساء، والذي تلي فيهم قوله تعالى: * (يوصيكم الله فى) * الآية وذلك أن العرب كانت لا تورث الصبية ولا الصبي الصغير، وكان الكبير ينفرد بالمال، وكانوا يقولون: إنما يرث من يحمي الحوزة ويرد الغنيمة، ويقاتل عن الحريم، ففرض الله تعالى لكل واحد حقه. ويجوز أن يكون خطابا للأوصياء كقوله: * (أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) * وقيل: المستضعفين هنا العبيد والإماء.
* (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) * هو في موضع جر عطفا على ما قبله أي: وفي أن تقوموا. والذي تلي في هذا المعنى قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) * إلى غير ذلك مما ذكر في مال اليتيم. والقسط: العدل. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى ويأمركم أن تقوموا. وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم، ويستوفوا لهم حقوقهم، ولا يخلوا أحدا يهتضمهم انتهى. وفي ري الظمآن: ويحتمل أن يرفع، وأن تقوموا بالابتداء وخبره محذوف أي: خير لكم انتهى. وإذا أمكن حمله على غير حذف بكونه قد عطف على مجرور كان أولى من
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»