مقدمة للوعيد.
وقال الزمخشري: وتكرير قوله: * (ولله ما فى * السماوات وما في الارض) * تقرير لما هو موجب تقواه ليتقوه، فيطيعوه ولا يعصوه، لأن الخشية والتقوى أصل الخير كله. وقال الراغب: الأول: للتسلية عما فات. والثاني: أن وصيته لرحمته لا لحاجة، وأنهم إن كفروه لا يضروه شيئا. والثالث: دلالته على كونه غنيا. وقال أبو عبد الله الرازي: الأول: تقرير كونه واسع الجود. والثاني: للتنزيه عن طاعة المطيعين. والثالث: لقدرته على الإفناء والإيجاد، والغرض منه تقرير كونه قادرا على مدلولات كثيرة فيحسن أن يذكر ذلك الدليل على كل واحد من مدلولاته، وهذه الإعادة أحسن وأولى من الاكتفاء بذكر الدليل مرة واحدة، لأنه عنده إعادة ذكر الدليل يحضر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول، وكان العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجل، فظهر أن هذا التكرار في غاية الكمال. وقال مكي: نبهنا أولا على ملكه وسعته. وثانيا على حاجتنا إليه وغناه، وثالثا على حفظه لنا وعلمه بتدبيرنا.
* (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت باخرين) * ظاهره أن الخطاب لمن تقدم له الخطاب أولا. وقال ابن عباس: الخطاب للمشركين والمنافقين، والمعنى: ويأت بآخرين منكم. وقريب منه ما نقله الزمخشري: من أنه خطاب لمن كان يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) من العرب. وقال أبو سليمان الدمشقي: الخطاب للكفار وهو تهديد لهم، كأنه قال: إن يشاء يهلككم كما أهلك من قبلكم إذ كفروا برسله. وقيل: للمؤمنين ينطلق عليه اسم الناس، والمعنى: إن شاء يهلككم كما أنشأكم وأنشأ قوما آخرين يعبدونه. وقال الطبري: الخطاب للذين شفعوا في طعمة بن أبيرق، وخاصم وخاصموا عنه في أمر خيانته في الدرع والدقيق. وهذا التأويل بعيد، وقد يظهر العموم فيكون خطابا للعالم الحاضر الذي يتوجه إليه الخطاب والنداء. ويأت بآخرين أي: بناس غيركم، فالمأتي به من نوع المذهب، فيكون من جنس المخاطب المنادي وهم الناس.
وروي أنها لما نزلت ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيده على ظهر سلمان وقال: * (أنهم * قوم * هاذا * يريد * ابن) *، وأجاز الزمخشري وابن عطية وغيرهما أن يكون المراد بآخرين من نوع المخاطبين. قال الزمخشري: ويأت بآخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الإنس. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون وعيدا لجميع بني آدم، ويكون الآخرون من غير نوعهم. كما أنه قد روي أنه كان في الأرض ملائكة يعبدون الله قبل بني آدم انتهى. وما جوزه لا يجوز، لأن مدلول آخر في اللغة هو مدلول غير خاص بجنس ما تقدم، فلو قلت: جاء زيد وآخر معه، أو مررت بامرأة وأخرى معها، أو اشتريت فرسا وآخر، وسابقت بين حمار وآخر، لم يكن آخر ولا أخرى مؤنثه، ولا تثنيته ولا جمعه إلا من جنس ما يكون قبله. ولو قلت: اشتريت ثوبا وآخر، ويعني به: غير ثوب لم يجز، فعلى هذا تجويزهم أن يكون قوله:
بآخرين من غير جنس ما تقدم وهم الناس ليس بصحيح، وهذا هو الفرق بين غير وبين آخر، لأن غيرا تقع على المغاير في جنس أو في صفة، فتقول: اشتريت ثوبا وغيره، فيحتمل أن يكون ثوبا، ويحتمل أن يكون غير ثوب وقل من يعرف هذا الفرق.
* (باخرين وكان الله على ذالك قديرا) * أي على إذهابكم والإتيان بآخرين. وأتى بصيغة المبالغة في القدرة، لأنه تعالى لا يمتنع عليه شيء أراده، وهذا غضب عليهم وتخويف، وبيان لاقتداره.
* (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة) * قال ابن عطية، أي من كان لا رغبة له إلا في ثواب الدنيا ولا يعتقد أن ثم سواه فليس كما ظن، بل عند الله ثواب الدارين. فمن قصد الآخرة أعطاه من ثواب الدنيا وأعطاه قصده، ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له، وكان له في الآخرة العذاب. وقال الماتريدي: يحتمل أن يكون المعنى من عبد الأصنام طلبا للعز لا يحصل له ذلك، ولكن عند الله عز الدنيا والآخرة، أو