تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٧٩
إضمار ناصب، كما ذهب إليه الزمخشري. ومن كونه مبتدأ قد حذف خبره.
* (وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما) * لما تقدم ذكر النساء، ويتامى النساء، والمستضعفين من الولدان، والقيام بالقسط، عقب ذلك بأنه تعالى يعلم ما يفعل من الخير بسبب من ذكر، فيجازي عليه بالثواب الجزيل. واقتصر على ذكر فعل الخير لأنه هو الذي رغب فيه، وإن كان تعالى يعلم ما يفعل من خير ومن شر، ويجازي على ذلك بثوابه وعقابه.
* (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) * نزلت بسبب ابن بعكك وامرأته قاله: مجاهد. وبسبب رافع بن خديج وامرأته خولة بنت محمد بن مسلمة، وكانت قد أسنت فتزوج عليها شابة فآثرها، فلم تصبر خولة فطلقها ثم راجعها، وقال: إنما هي واحدة، فإما أن تقوى على الإثرة وإلا طلقتك ففرت. قاله: عبيدة، وسليمان بن يسار، وابن المسيب. أو بسبب النبي صلى الله عليه وسلم) وسودة بنت زمعة خشيت طلاقها فقالت: لا تطلقني واحبسني مع نسائك، ولا تقسم لي، ففعل، فنزلت قاله: ابن عباس وجماعة.
والخوف هنا على بابه، لكنه لا يحصل إلا بظهور أمارات ما تدل على وقوع الخوف. وقيل: معنى خافت علمت. وقيل: ظنت. ولا ينبغي أن يخرج عن الظاهر، إذ المعنى معه يصح. والنشوز: أن يجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته، والمودة التي بينهما، وأن يؤذيها بسبب أو ضرب. والإعراض: أن يقل محادثتها ومئانستها لطعن في سن أو دمامة، أو شين في خلق أو خلق أو ملال، أو طموح عين إلى أخرى، أو غير ذلك، وهو أخف النشوز. فرفع الجناح بينهما في الصلح بجميع أنواع من بذل من الزوج لها على أن تصبر، أو بذل منها له على أن يؤثرها وعن أن يؤثر وتتمسك بالعصمة، أو على صبر على الإثرة ونحو ذلك، فهذا كله مباح. ورتب رفع الجناح على توقع الخوف، وظهور أمارات النشوز والإعراض، وهو مع وقوع تلك وتحققها أولى. لأنه إذا أبيح الصلح مع خوف ذلك فهو مع الوقوع أوكد، إذ في الصلح بقاء الألفة والمودة. ومن أنواع الصلح أن تهب يومها لغيرها من نسائه كما فعلت سودة، وأن ترضى بالقسم لها في مذة طويلة مرة، أو تهب له المهر أو بعضه، أو النفقة، والحق الذي للمرأة على الزوج هو المهر والنفقة، والقسم هو على إسقاط ذلك أو شيء منه على أن لا يطلقها، وذلك جائز.
وقرأ الكوفيون: يصلحا من أصلح على وزن أكرم. وقرأ باقي السبعة: يصالحا، وأصله يتصالحا، وأدغمت التاء في الصاد. وقرأ عبيدة السلماني: يصالحا من المفاعلة. وقرأ الأعمش: أن أصالحا، وهي قراءة ابن مسعود، جعل ماضيا. وأصله تصالح على وزن تفاعل، فأدغم التاء في الصاد، واجتلبت همزة الوصل، والصلح ليس مصدر الشيء من هذه الأفعال التي قرئت، فإن كان اسما لما يصلح به كالعطاء والكرامة مع أعطيت وأكرمت، فيحتمل أن يكون انتصابه على إسقاط حرف الجر أي: يصلح أي بشيء يصطلحان عليه. ويجوز أن يكون مصدرا لهذه الأفعال على حذف الزوائد.
* (والصلح خير) * ظاهره أن خيرا أفعل التفضيل، وأن المفضل عليه هو من النشوز والإعراض، فحذف لدلالة ما قبله عليه. وقيل: من الفرقة. وقيل: من الخصومة، وتكون الألف واللام في الصلح للعهد، ويعني به صلحا السابق كقوله تعالى: * (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا * فعصى فرعون الرسول) *. وقيل: الصلح عام. وقيل: الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف، ويندرج تحته صلح الزوجين، ويكون المعنى: خير من الفرقة والاختلاف. وقيل: خير هنا ليس أفعل تفضيل، وإنما معناه خير من الخيور، كما أن الخصومة شر من الشرور.
* (وأحضرت الأنفس الشح) * هذا من باب
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»