: (إنما هي المصيبات في الدنيا) وقالت بمثل هذا التأويل عائشة رضي الله عنها. وقال به: أبي بن كعب، وسأله الربيع بن زياد عن معنى الآية وكأنه خافها فقال له: أي ما كنت أظنك إلا أفقه مما أرى، ما يصيب الرجل خدش أو غيره إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر. وخصص الحسن، وابن زيد بالكفار يجازون على الصغائر والكبائر. وقال الضحاك: يعني اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب، ورأى هؤلاء أن الله تعالى وعد المؤمنين بتكفير السيئات. وخصص السوء ابن عباس، وابن جبير بالشرك. وقيل: السوء عام في الكبائر.
* (عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) * روى ابن بكار عن ابن عامر ولا يجد بالرفع على القطع.
* (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة) * من الأولى هي للتبعيض، لأن كل واحد لا يتمكن من عمل كل الصالحات، وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه. وكم مكلف لا يلزمه زكاة ولا حج ولا جهاد، وسقطت عنه الصلاة في بعض الأحوال على بعض المذاهب. وحكى الطبري عن قوم: أن من زائدة، أي: ومن يعمل الصالحات. وزيادة من في الشرط ضعيف، ولا سيما وبعدها معرفة. ومن الثانية لتبيين الإبهام في: ومن يعمل. وتقدم الكلام في أوفى قوله: * (لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) * وهو من مؤمن. جملة حالية، وقيد في عمل الإنسان لأنه لو عمل من الأعمال الصالحة ما عمل فلا ينفعه إلا إن كان مؤمنا. قال الزمخشري: وإذا أبطل الله الأماني وأثبت أن الأمر كله معقود بالعمل الصالح وأن من أصلح عمله فهو الفائز، ومن أساء عمله فهو الهالك، تبين الأمر ووضح، ووجب قطع الأماني وحسم المطامع، والإقبال على العمل الصالح، ولكنه نصح لا تعيه الآذان، ولا تلقى إليه الأذهان انتهى. والذي تدل عليه الآية أن الإيمان شرط في الانتفاع بالعمل، لأن العمل شرط في صحة الإيمان.
* (ولا يظلمون نقيرا) * ظاهره: أنه يعود إلى أقرب مذكور وهم المؤمنون، ويكون حكم الكفار كذلك. إذ ذكر أحد الفريقين يدل على الآخر، أن كلاهما يجزى بعمله، ولأن ظلم المسئ أنه يزاد في عقابه. ومعلوم أنه تعالى لا يزيد في عقاب المجرم، فكان ذكره مستغنى عنه. والمحسن له ثواب، وتوابع للثواب من فضل الله هي في حكم الثواب، فجاز أن ينقص من الفضل. فنفي الظلم دلالة على أنه لا يقع نقص في الفضل. ويحتمل أن يعود الضمير في: ولا يظلمون إلى الفريقين، عامل السوء، وعامل الصالحات. وقرأ: يدخلون مبنيا للمفعول هنا، وفي مريم، وأولي غافر بن كثير أبو عمر وأبو بكر. وقرأ كذلك ابن كثير وأبو بكرفي ثانية غافر. وقرأ كذلك أبو عمرو في فاطر. وقرأ الباقون مبنيا للفاعل.
* (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) * تقدم الكلام على نحوه في قولين من أسلم وجهه لله وهو محسن.
* (واتبع ملة إبراهيم حنيفا) * تقدم الكلام على ملة إبراهيم حنيفا في قوله: * (قل بل ملة إبراهيم حنيفا) * واتباعه. قال ابن عباس: في التوحيد. وقال أبو سليمان الدمشقي: في القيام لله بما فرضه. وقيل: في جميع شريعته إلا ما نسخ منها.
* (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * هذا مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله. وتقدم اشتقاق الخليل في المفردات. والجمهور: على أنها من الخلة وهي المودة التي ليس فيها خلل. وقول محمد بن عيسى الهاشمي: إنه إنما سمي خليلا لأنه تخلى عما سوى خليله. فإن كان فسر المعنى فيمكن، وإن كان أراد الاشتقاق فلا يصح لاختلاف المادتين. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: (يا جبريل بم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال: لإطعامه الطعام) والكرامة التي أكرمه الله بها ذكروها في قصة مطولة عن ابن عباس مضمونها: أن الله قلب له غرائر الرمل دقيقا حواري عجن، وخبز وأطعم الناس