يتأتى لكونه ليس إياه، ولا بعضا، ولا مشتملا. ومعنى حصرت: ضاقت، وأصل الحصر في المكان، ثم توسع فيه حتى صار في القول. قال:
* ولقد تكنفني الوشاة فصادفوا * حصرا بسرك يا أميم ضنينا * وقيل: معناه كرهت. والمعنى: كرهوا قتالكم مع قومهم معكم. وقيل: معناه أنهم لا يقاتلونكم ولا يقاتلون قومهم معكم، فيكونون لا عليكم ولا لكم. وقرأ الجمهور: حصرت. وقرأ الحسن وقتادة ويعقوب: حصرة على وزن نبقة، وكذا قال المهدوي عن عاصم في رواية حفص. وحكى عن الحسن أنه قرأ: حصرات. وقرئ: حاصرات. وقرئ: حصرة بالرفع على أنه خبر مقدم، أي: صدورهم حصرة، وهي جملة اسمية في موضع الحال. فأما قراءة الجمهور فجمهور النحويين على أن الفعل في موضع الحال. فمن شرط دخول قد على الماضي إذا وقع حالا زعم أنها مقدرة، ومن لم ير ذلك لم يحتج إلى تقديرها، فقد جاء منه ما لا يحصى كثرة بغير قد. ويؤيد كونه في موضع الحال قراءة من قرأ ذلك اسما منصوبا، وعن المبرد قولان: أحدهما: أن ثم محذوفا هو الحال، وهذا الفعل صفته أي: أو جاؤوكم قوما حصرت صدورهم. والآخر: أنه دعاء عليهم، فلا موضع له من الإعراب. ورد الفارسي على المبرد في أنه دعاء عليهم بأنا أمرنا أن نقول: اللهم أوقع بين الكفار العداوة، فيكون في قوله: أو يقاتلوا قومهم، في ما اقتضاه دعاء المسلمين عليهم. قال ابن عطية: ويخرج قول المبرد على أن الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم، والدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقيرهم، أي: هم أقل وأحقر، ويستغني عنهم كما تقول إذا أردت هذا المعنى: لا جعل الله فلانا علي ولا معي، بمعنى: استغنى عنه، واستقل دونه. وقال غير ابن عطية: أو تكون سؤالا لموتهم، على أن قوله: قومهم، قد يعبر به عن من ليسوا منهم، بل عن معاديهم. وأجاز أبو البقاء أن يكون حصرت في موضع جر صفة لقوم، وأو جاؤوكم معترض. قال: يدل عليه قراءة من أسقط أو، وهو أبى. وأجاز أيضا أن يكون حصرت بدلا من جاؤكم، قال: بدل اشتمال، لأن المجيء مشتمل على الحصر وغيره. وقال الزجاج: حصرت صدورهم خبر بعد خبر. قال ابن عطية: يفرق بين تقدير الحال، وبين خبر مستأنف في قولك: جاء زيد ركب الفرس، إنك إن أردت الحال بقولك: ركب الفرس، قدرت قد. وإن أردت خبرا بعد خبر لم نحتج إلى تقديرها. وقال الجرجاني: تقديره إن جاؤكم حصرت، فحذف إن، وما ادعاه من الإضمار لا يوافق عليه، أن يقاتلوكم تقديره: عن أن يقاتلوكم.
* (ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم) * هذا تقرير للمؤمنين على مقدار نعمته تعالى عليهم. أي: لو شاء لقواهم وجرأهم عليكم، فإذا قد أنعم عليكم بالهدنة فاقبلوها. وهذا إذا كان المستثنون كفارا، فأما على قول من