من أضل الله) * هذا استفهام إنكار أي: من أراد الله ضلاله، لا يريد أحد هدايته لئلا تقع إرادته مخالفة لإرادة الله تعالى، ومن قضى الله عليه بالضلال لا يمكن إرشاده، ومن أضل الله اندرج فيه المركسون وغيرهم. ممن أضله الله فكأنه قيل: أتريدون أن تهدوا هؤلاء المنافقين؟ ومن أضله الله تعالى من غيرهم واندراجهم في عموم من بعد قوله: والله أركسهم، هو على سبيل التوكيد، إذ ذكروا أولا على سبيل الخصوص، وثانيا على سبيل اندراجهم في العموم. وقال الزمخشري: أتريدون أن تجعلوا من جملة المهتدين؟ من أضله الله من جعله من الضلال وحكم عليه بذلك، أو خذله حتى ضل انتهى. وهو على طريقته الاعتزالية من أنه لا ينسب إلا ضلال إلى الله على سبيل الحقيقة.
* (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) * أي: فلن تجد لهدايته سبيلا. والمعنى: لخلق الهداية في قلبه، وهذا هو المنفى. والهداية بمعنى الإرشاد والتبيين، هي للرسل. وخرج من خطابهم إلى خطاب الرسول على سبيل التوكيد في حق المختلفين، لأنه إذا لم يكن له ذلك، فالأحرى أن لا يكون ذلك لهم. وقيل: من يحرمه الثواب والجنة لا يجد له أحد طريقا إليهما. وقيل: من يهلكه الله فليس لأحد طريق إلى نجاته من الهلاك. وقيل: ومن يضلل الله فلن تجد له مخرجا وحجة.
* (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) * من أثبت أن لو تكون مصدرية قدره: ودوا كفركم كما كفروا. ومن جعل لو حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره، جعل مفعول ودوا محذوفا، وجواب لو محذوفا، والتقدير: ودوا كفركم لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء، لسروا بذلك. وسبب ودهم ذلك إما حسدا لما ظهر من علو الإسلام كما قال في نظيرتها: * (حسدا من عند أنفسهم) * وإما إيثارا لهم أن يكونوا عباد أصنام لكونهم يرون المؤمنين على غير شيء، وهذا كشف من الله تعالى لخبيث معتقدهم، وتحذير للمؤمنين منهم. وفتكونون معطوف على قوله: تكفرون.
قال الزمخشري: ولو نصب على جواب التمني لجاز، والمعنى: ودوا كفركم وكونكم معهم شرعا واحدا فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء انتهى. وكون التمني بلفظ الفعل، ويكون له جواب فيه نظر. وإنما المنقول أن الفعل ينتصب في جواب التمني إذا كان بالحرف نحو: ليت، ولو وإلا، إذا أشربتا معنى التمني، أما إذا كان بالفعل فيحتاج إلى سماع من العرب. بل لو جاء لم تتحقق فيه الجوابية، لأن ود التي تدل على التمني إنما متعلقها المصادر لا الذواب، فإذا نصب الفعل بعد الفاء لم يتعين أن تكون فاء جواب، لاحتمال أن يكون من باب عطف المصدر المقدر على المصدر الملفوظ به، فيكون من باب: للبس عباءة وتقر عيني.
* (فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى سبيل الله) * لما نص على كفرهم، وأنهم تمنوا أن تكونوا مثلهم بانت عداوتهم لاختلاف الدينين، فهي تعالى أن يوالي منهم أحد وإن آمنوا، حتى يظاهروا بالهجرة الصحيحة لأجل الإيمان، لا لأجل حظ الدنيا، وإنما غيا بالهجرة فقط لأنها تتضمن الإيمان. وفي هذه الآية دليل على وجوب الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، ولم يزل حكمها كذلك إلى أن فتحت مكة، فنسخ بقوله صلى الله عليه وسلم): (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا) *. وخالف الحسن البصري فقال بوجوبها، وإن حكمها لم ينسخ، وهو باق فتحرم الإقامة بعد الإسلام في دار الشرك. وإجماع أهل المذاهب على خلافه. قال القاضي أبو يعلى وغيره: من هو قادر على الهجرة ولا يقدر على إظهار دينه فهي تجب عليه لقوله تعالى: * (*) *. وخالف الحسن البصري فقال بوجوبها، وإن حكمها لم ينسخ، وهو باق فتحرم الإقامة بعد الإسلام في دار الشرك. وإجماع أهل المذاهب على خلافه. قال القاضي أبو يعلى وغيره: من هو قادر على الهجرة ولا يقدر على إظهار دينه فهي تجب عليه لقوله تعالى: * (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) *