إلى دار الإسلام مسالما كارها لقتال قومه مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه، لا سبيل عليه. وهذه نسخت أيضا بما في براءة انتهى.
وقال الزمخشري: الوجه العطف على العلة لقوله: * (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم) * الآية بعد قوله: فخذوهم واقتلوهم، فقرر أن كفهم عن القتال أحد سببي استحقاقهم لنفي التعرض لهم، وترك الإيقاع بهم. (فإن قلت): كل واحد من الاتصالين له تأثير في صحة الاستثناء، واستحقاق ترك التعرض الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالكافين، فهلا جوزت أن يكون العطف على صفة قوم، ويكون قوله: فإن اعتزلوكم تقريرا لحكم اتصالهم بالكافين، واختلاطهم فيهم، وجريهم على سننهم؟ (قلت): هو جائز، ولكن الأول أظهر وأجرى على أسلوب الكلام انتهى. وإنما كان أظهروا وأجرى على أسلوب الكلام لأن المستثنى محدث عنه محكوم له بخلاف حكم المستثنى منه. وإذا عطفت على الصلة كان محدثا عنه، وإذا عطفت على الصفة لم يكن محدثا عنه، إنما يكون ذلك تقييدا في قوم الذين هم قيد في الصلة المحدث عن صاحبها، ومتى دار الأمر بين أن تكون النسبة إسنادية في المعنى، وبين أن تكون تقييدية، كان حملها على الإسنادية أولي للاستثقال الحاصل بها، دون التقييدية هذا من جهة الصناعة النحوية. وأما من حيث ما يترتب على كل واحد من العطفين من المعنى، فإنه يكون تركهم القتال سببا لترك التعرض لهم، وهو سبب قريب، وذلك على العطف على الصلة، ووصولهم إلى من يترك القتال سبب لترك التعرض لهم، وهو سبب بعيد، وذلك على العطف على الصفة. ومراعاة السبب القريب أولى من مراعاة البعيد. وعلى أن الاستثناء متصل من مفعول: فخذوهم واقتلوهم، والمعنى: أنه تعالى أوجب قتل الكافر إلا إذا كان معاهدا أو داخلا في حكم المعاهد، أو تاركا للقتال، فإنه لا يجوز قتلهم. وقول الجمهور: إن المستثنين كفار.
وقال أبو مسلم: إنه تعالى لما أوجب الهجرة على كل من أسلم، استثنى من له عذر فقال: * (إلا الذين يصلون) * وهم قوم من المؤمنين قصدوا الرسول بالهجرة والنصرة، إلا أنهم كان في طريقهم من الكفار ما لم يجدوا طريقا إليه خوفا من أولئك الكفار، فصاروا إلى قوم بين المسلمين وبينهم عهد، وأقاموا عندهم إلى أن يمكنهم الخلاص، واستثنى بعد ذلك من صار إلى الرسول وإلى الصحابة، لأنه يخاف الله فيه، ولا يقاتل الكفار أيضا لأنهم أقاربه، أو لأنه بقي أزواجه وأولاده بينهم فيخاف لو قاتلهم أن يقتلوا أولاده وأصحابه. فهذان الفريقان من المسلمين لا يحل قتالهم، وإن كان لم توجد منهم الهجرة، ولا مقاتلة الكفار انتهى. واختاره الراغب. وعلى قول أبي مسلم: يكون استثناء منقطعا، لأن المؤمنين لم يدخلوا تحت قوله: * (فما لكم فى المنافقين فئتين) *.
وقال الماتريدي: إلا الذين يصلون أي: إن لحق المنافقون بمن لا ميثاق بينكم وبينهم فاقتلوهم حتى يتوبوا ويهاجروا، وإن لحقوا بأهل الميثاق فلا تقاتلوهم، أو جاؤوكم حصرت صدورهم هذا صفة لمن سبق ذكرهم، فيكون الاستثناء عن الذين يصلون إلى أهل العهد، إذا كان وصفهم أن تضيق صدورهم عن مقاتلة المؤمنين والكفار جميعا، إما لنفار طباعهم، وإما لوفاء العهد، وإما لكونهم في مهلة النظر ليتبينوا الحق من الباطل، وعلى هذا وصف الله جميع المعاهدين الذين عزموا على الوفاء بالعهد: أنهم إنما قبلوا العهد والذمة لما تعذر عليهم قتال المسلمين وأبت نفوسهم معاونة المسلمين على قومهم، فلم يسلموا حقيقة، ولكن سالموا لقبول العهد انتهى. وقال القفال بعد ذكر من دخل في عهد من كان داخلا في عهدكم، فهو أيضا داخل في العهد، قال: وقد يدخل في الآية أن يقصد قوم حضرت الرسول عليه السلام، فيتعذر عليهم ذلك المطلوب، فيلجوا إلى قوم بينهم وبين الرسول عهد، إلى أن يجدوا السبيل إليه انتهى.
وفي مصحف أبي وقراءته: ميثاق جاؤكم بغير واو. قال الزمخشري: ووجهه أن يكون جاؤوكم بيانا ل يصلون، أو بدلا، أو استئنافا، أو صفة بعد صفة لقوم انتهى. وهي وجوه محتملة، وفي بعضها ضعف. وهو البيان والبدل، لأن البيان لا يكون في الأفعال، ولأن البدل لا