تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٢٣
عليه: وعليك السلام ورحمة الله فقيل له، فقال: أليس في رحمة الله يعيش؟ وكأن من قال بهذا أخذ بعموم وإذا حييتم، لكن ذلك مخالف للنص النبوي من قوله: (فقولوا وعليكم) وكيفية رد الأحسن أنه إذا قال: سلام عليك، فيقول: عليك السلام ورحمة الله. فإذا قال: سلام عليك ورحمة الله قال: عليك السلام ورحمة الله وبركاته. فإذا قال المسلم هذا بكماله رد عليه مثله. وروي عن عمر، وابن عباس، وغيرهما: أن غاية السلام إلى البركة.
وفي الآية دليل على أن الرد واجب لأجل الأمر، ولا يدل على وجوب البداءة، بل هي سنة مؤكدة، هذا مذهب أكثر العلماء. والجمهور على أن لا يبدأ أهل الكتاب بالسلام، وشذ قوم فأباحوا ذلك. وقد طول الزمخشري وغيره بذكر فروع كثيرة في السلام، وموضوعها علم الفقه. وذهب مجاهد: إلى تخصيص هذه التحية بالجهاد، فقال: إذا حييتم في سفركم بتحية الإسلام * (فلا * تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * فإن أحكام الإسلام تجري عليهم. وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك: أن هذه الآية في تشميت العاطس، والرد على المشمت. وضعف ابن عطية وغيره من أصحاب مالك هذا القول. قال ابن عطية: لأنه ليس في الكلام على ذلك دلالة. أما أن الرد على المشمت مما يدخل بالقياس في معنى رد التحية، وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك، انتهى. وذهب قوم إلى أن المراد بالتحية هنا الهداية واللطف، وقال: حق من أعطى شيئا من ذلك أن يعطى مثله أو أحسن منه. قال ابن خويز منداد: يجوز أن تحمل هذه الآية على الهبة إذا كانت للثواب، وقد شحن بعض الناس تليفه هنا بفروع من أحكام القتال والسلام، وتشميت العاطس، والهدايا، وموضوعها علم الفقه وذكروا أيضا في ما يدخل في التحية مقارنا للسلام، واللقاء والمصافحة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم) أمر بها وفعلها مع السلام والمعانقة، وأول من سنها إبراهيم عليه السلام، والقبلة. وعن الحسن في قوله تعالى: * (رحماء بينهم) * قال: كان الرجل يلقى أخاه فما يفارقه حتى يلزمه ويقبله. وعن علي قبلة الولد رحمة، وقبلة المرأة شهوة، وقبلة الوالدين بر، وقبلة الأخ دين، وقبلة الإمام العادل طاعة، وقبلة العالم إجلال الله تعالى. قال القشيري: في الآية تعليم لهم حسن العشرة وآداب الصحبة، وأن من حملك فضلا صار ذلك في ذمتك قرضا، فإن زدت على فعله وإلا فلا تنقص عن مثله.
* (إن الله كان على كل شىء حسيبا) * أي: حاسبا من الحساب، أو محسبا من الأحساب، وهو الكفاية. فإما فعيل للمبالغة، وإما بمعنى مفعل.
وتضمنت هذه الآيات من البيان والبديع أنواعا الالتفات في قوله: فما أرسلناك. والتكرار في: من يطع فقد أطاع، وفي: بيت ويبيتون، وفي: اسم الله في مواضع، وفي: أشد، وفي: من يشفع شفاعة. والتجنيس المماثل في: يطع وأطاع، وفي: بيت ويبيتون، وفي: حييتم فحيوا. والمغاير في: وتوكل ووكيلا، وفي: من يشفع شفاعة، وفي: وإذا حييتم بتحية. والاستفهام المراد به الإنكار في: أفلا يتدبرون. والطباق في: من الأمن أو الخوف، وفي: شفاعة حسنة وشفاعة سيئة. والتوجيه في: غير الذي تقول. والاحتجاج النظري ويسمى المذهب الكلامي في: ولو كان من عند غير الله. وخطاب العين والمراد به الغير في: فقاتل. والاستعارة في: في سبيل الله، وفي: أن يكف بأس. وافعل في: غير المفاضلة في أشد. وإطلاق كل على بعض في: بأس الذين كفروا واللفظ مطلق والمراد بدر الصغرى. والحذف في عدة مواضع تقتضيها الدلالة.
(* (الله لاإلاه إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا * فما لكم فى المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»