يشفع وتر الإسلام بالمعونة للمسلمين، فتلك حسنة، وله نصيب منها. وحملهم على هذا التأويل ما تقدم من ذكر القتال والأمر به، وقال قريبا منه الطبري. وقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم: هي في حوائج الناس، فمن يشفع لنفع فله نصيب، ومن يشفع لضر فله كفل.
وقال الزمخشري: الشفاعة الحسنة هي التي روعي فيها حق مسلم، ودفع عنه بها شر، أو جلب إليه خير وابتغى بها وجه الله، ولم يؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز لا في حد من حدود الله، ولا حق من الحقوق. والسيئة ما كان بخلاف ذلك انتهى. وهذا بسط ما قاله الحسن، قال: الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة، والسيئة في المعاصي. وقيل: الشفاعة الحسنة هي الدعوة للمسلم لأنها في معنى الشفاعة إلى الله تعالى. وعن النبي صلى الله عليه وسلم): (من دعا لأخيه بظهر الغيب استجيب له، وقال له الملك: ولك مثل ذلك النصيب) ولدعوة على المسلم بضد ذلك. وقال ابن السائب ومقاتل: الشفاعة الحسنة هنا الصلح بين الاثنين، والسيئة الإفساد بينهما والسعي بالنميمة. وقيل: الشفاعة الحسنة أن يشفع إلى الكافر حتى يوضح له من الحجج لعله يسلم، والسيئة أن يشفع إلى المسلم عسى يرتد أو ينافق. والظاهر أن من للسبب أي: نصيب من الخير بسببها، وكفل من الشر بسببها. وتقدم في المفردات أن الكفل النصيب. وسمي المجازي.
وقال أبان بن تغلب: الكفل المثل. وقال الحسن وقتادة: هو الوزر والإثم، وغاير في النصيب فذكره بلفظ الكفل في الشفاعة السيئة، لأنه أكثر ما يستعمل في الشر، وإن كان قد استعمل في الخير لقوله: * (يؤتكم كفلين من رحمته) * قالوا: وهو مستعار من كفل البعير، وهو كساء يدار على سنامه ليركب عليه، وسمي كفلا لأنه لم يعم الظهر، بل نصيبا منه.
* (وكان الله على كل شىء مقيتا) * أي: مقتدرا قاله السدي وابن زيد والكسائي. وقال ابن عباس ومجاهد: حفيظا وشهيدا. وقال عبد الله بن كثير: واصبا قيما بالأمور. وقيل: المحيط. وقيل: الحسيب. وقيل: المجازي. وقيل: المواظب للشيء الدائم عليه. قال ابن كثير: وهو قول ابن عباس أيضا. وهذه أقوال متقاربة لاستلزام بعضها معنى بعض. وقال الطبري في قوله: إني على الحساب مقيت، إنه من غير هذه المعاني المتقدمة، وإنه بمعنى موقوت. وهذا يضعفه أن يكون بناء اسم الفاعل بمعنى بناء اسم المفعول. وقال غيره: معناه مقتدر.
* (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * الظاهر أن التحية هنا السلام، وأن المسلم عليه مخير بين أن يرد أحسن منها، أو أن يردها يعني مثلها، فأو هنا للتخيير. وقال ابن عباس، والحسن، وقتادة، وابن زيد: بأحسن منها إذا كان مسلما، أو ردوها إذا كان يسلم عليك كافر فاردد، وإن كان مجوسيا فتكون أو هنا للتنويع. والذي يظهر أن الكافر لا يرد عليه مثل تحيته، لأن المشروع في الرد عليهم أن يقال لهم: وعليكم، ولا يزادوا على ذلك، فيكون قوله: وإذا حييتم معناه: وإذا حياكم المسلمون، وإلى هذا ذهب. عطاء. وعن الحسن: ويجوز أن يقال للكافر: وعليك السلام، ولا يقل: ورحمة الله، فإنها استغفار، وعن الشعبي أنه قال لنصراني سلم