تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٥٩
إذ جمعت بين سوء الاعتقاد الصادر عنه الإنفاق رئاء، وسائر تلك الأوصاف المذمومة. ولذلك قدم تلك الأوصاف وذكر ما صدرت عنه وهو انتفاء الإيمان بالموحد، وبدار الجزاء. ثم ذكر أن ذلك من مقارنة الشيطان.
والقرين هنا فعيل بمعنى مفاعل، كالجليس والخليط أي: المجالس والمخالط. والشيطان هنا جنس لا يراد به إبليس وحده وهو كقوله: * (ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين) * وله متعلق بقرينا أي: قرينا له. والفاء جواب الشرط، وساء هنا هي التي بمعنى بئس للمبالغة في الذم، وفاعلها على مذهب البصريين ضمير عام، وقرينا تمييز لذلك الضمير. والمخصوص بالذم محذوف وهو العائد على الشيطان الذي هو قرين، ولا يجوز أن يكون ساء هنا هي المتعدية ومفعولها محذوف وقرينا حال، لأنها إذ ذاك تكون فعلا متصرفا فلا تدخله الفاء، أو تدخله مصحوبة بقد. وقد جوزوا انتصاب قرينا على الحال، أو على القطع، وهو ضعيف. وبولغ في ذم هذا القرين لحمله على تلك الأوصاف الذميمة. قال الزمخشري وغيره: ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار انتهى. فتكون المقارنة إذ ذاك في الآخرة يقرن به في النار فيتلاعنان ويتباغضان كما قال: * (مقرنين فى الاصفاد) * و * (إذا ألقوا * منها مكانا ضيقا مقرنين) *. وقال الجمهور: هذه المقارنة هي في الدنيا كقوله: * (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم) * ونقيض له شيطانا فهو له قرين) * وقال قرينه ربنا ما أطغيته) * قال ابن عطية: وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى: * (*) * وقال قرينه ربنا ما أطغيته) * قال ابن عطية: وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى: * (*) * قال ابن عطية: وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى: * (بئس للظالمين بدلا) * وذلك مردود، لأن بدلا حال، وفي هذا نظر. والذي قاله الطبري صحيح، وبدلا تمييز لا حال، وهو مفسر للضمير المستكن في بئس على مذهب البصريين، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: هم أي الشيطان وذريته. وإنما ذهب إلى إعراب المنصوب بعد نعم وبئس حالا الكوفيون على اختلاف بينهم مقرر في علم النحو.
2 (* (وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الا خر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما * إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) *)) 2 * (وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الاخر وأنفقوا مما رزقهم الله) * ظاهر هذا الكلام أنه ملتحم لحمة واحدة، والمراد بذلك: ذمهم وتوبيخهم وتجهيلهم بمكان سعادتهم، وإلا فكل الفلاح والمنفعة في اتصافهم بما ذكر تعالى. فعلى هذا الظاهر يحتمل أن يكون الكلام جمليتن، وتكون لو على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره، والتقدير: وماذا عليهم في الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق في سبيل الله لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله لحصلت لهم السعادة. ويحتمل أن يكون جملة واحدة، وذلك على مذهب من يثبن أن لو تكون مصدرية في معنى: أن كأنه قيل: وماذا عليهم أن آمنوا، أي في الإيمان بالله، ولا جواب لها إذ ذاك، فيكون كقوله:
* وماذا عليه أن ذكرت أوانسا * كغزلان رمل في محاريب أقيال * قالوا: ويجوز أن يكون قوله: وماذا عليهم، مستقلا لا تعلق به بما بعده، بل ما بعده مستأنف. أي: وماذا عليهم يوم القيامة من الوبال والنكال باتصافهم بالبخل وتلك الأوصاف المذمومة، ثم استأنف وقال: لو آمنوا، وحذف جواب لو. وقال ابن عطية: وجواب لو في قوله: ماذا، فهو جواب مقدم انتهى. فإن أراد ظاهر هذا الكلام فليس موافقا لكلام النحويين، لأن الاستفهام لا يقع جواب لو، ولأن قولهم: أكرمتك لو قام زيد، إن ثبت أنه من كلام العرب حمل على أكرمتك دال على الجواب، لا جواب كما قالوا في قولهم: أنت ظالم إن فعلت. وإن أراد تفسير المعنى فيمكن ما قاله.
وماذا: يحتمل أن تكون كلها استفهاما، والخبر في عليهم. ويحتمل أن يكون ما هو الاستفهام، وذا بمعنى الذي وهو الخبر، وعليهم صلة ذا. وإذا كان لو آمنوا بالله واليوم الآخر من متعلقات قوله: وماذا
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»