قال أبو عبيدة والفراء: الصعيد التراب. وقال الليث: الصعيد الأرض المستوية لا شيء فيها من غراس ونبات، وهو قول قتادة، قال: الصعيد الأرض الملساء. وقال الخليل: الصعيد ما صعد من وجه الأض، يريد وجه الأرض. وقال الزجاج: الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره، وإن كان صخرا لا تراب عليه زاد غيره: أو رملا، أو معدنا، أو سبخة. والطيب الطاهر وهذا تفسير طائفة، ومذهب أبي حنيفة ومالك واختيار الطبري. ومنه * (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) * أي طاهرين من أدناس المخالفات. وقال قوم: الطيب هنا الحلال، قاله سفيان الثوري وغيره. وقال الشافعي وجماعة: الطيب المنبت، وقاله ابن عباس لقوله تعالى: * (والبلد الطيب يخرج نباته) * فالصعيد على هذا التراب. وهؤلاء يجيزون التيمم بغير ذلك، فمحل الإجماع هو أن يتيمم بتراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب. ومحل المنع إجماعا هو: أن يتيمم على ذهب صرف، أو فضة، أو ياقوت، أو زمرد، وأطعمة كخبز ولحم، أو على نجاسة، واختلف في المعادن: فأجيز، وهو مذهب مالك، ومنع وهو مذهب الشافعي. وفي الملح، وفي الثلج، وفي التراب المنقول، وفي المطبوخ كالآجر، وعلى الجدار، وعلى النبات، والعود، والشجر خلاف. وأجاز الثوري وأحمد بغبار اليد. وقال أحمد وأبو يوسف: لا يجوز إلا بالتراب والرمل، والجمهور على إجازته بالسباخ، إلا ابن راهويه. وأجاز ابن علية وابن كيسان التيمم بالمسك والزعفران.
وظاهر الكلام: أن التيمم مسح الوجه واليدين من الصعيد الطيب، فمتى حصلت هذه الكيفية حصل التيمم. والعطف بالواو لا يقتضي ترتيبا بين الوجه واليدين والباء في بوجوهكم مما يعدى بها الفعل تارة، وتارة بنفسه. حكى سيبويه: مسحت رأسه وبرأسه، وخشنت صدره وبصدره على معنى واحد. وظاهر مسح الوجه التعميم، فيمسحه جميعه كما يغسله بالماء جميعه. وأجاز بعضهم أن لا يتتبع الغضون. وأما اليدان فظاهر مسحهما تعميم مدلولهما، وهي تنطلق لغة إلى المناكب، وبه قال ابن شهاب، قال: يمسح إلى الآباط، وروى ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وفي سنن أبي داود: (أنه عليه السلام مسح إلى انصاف ذراعيه) قال ابن عطية: لم يقل أحد بهذا الحديث فيما حفظت انتهى. وذهب أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وابن أبي سلمة والليث: أنه يمسح إلى بلوغ المرفقين فرضا واجبا، وهو قول: جابر، وابن عمر، والحسن، وإبراهيم. وذهب طائفة إلى أنه يبلغ به إلى الكوعين وهما الرسغان، وهو: قول علي، وعطاء، والشعبي، ومكحول، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وداود بن علي، والطبري، والشافعي في القديم، وروي عن مالك. وذهب الشعبي إلى أنه يمسح كفيه فقط، وبه قال بعض فقهاء الحديث، وهو الذي ينبغي أن يذهب إليه لصحته في الحديث. ففي مسلم من حديث عمار (إنما كان يكفيك أن يضرب بيدك الأرض ثم تنفخ وتمسح بها وجهك وكفيك) وعنه في هذا الحديث: (وضرب بيده الأرض فنفض يديه، فمسح وجهه وكفيه) وللبخاري: (أدناهما من فيه، ثم مسح بهما وجهه وكفيه) وفي مسلم أيضا: (أما يكفيك أن تقول بيدك هكذا، ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وعند أبي داود (فضرب بيده الأرض فقبضها، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه). فهذه الأحاديث الصحيحة مبينة ما تطرق إليه الاحتمال في الآية من محل المسح وكيفيته.
وظاهر هذه الأحاديث الصحيحة وظاهر الآية يدل على الاجتزاء بضربة واحدة للوجه واليدين، وهو قول: عطاء والشعبي في رواية، والأوزاعي في الأشهر عنه، وأحمد وإسحاق وداود والطبري. وذهب مالك في المدونة، والأوزاعي في رواية، وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم، والثوري، والليث، وابن أبي سلمة: إلى وجوب ضربتين ضربة للوجه، وضربة لليدين، وذهب ابن أبي ليلى والحسن إلى أنه ضربتان، ويمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه ومرفقيه، ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم غيرهما. وأحكام التيمم ومسائله كثيرة مذكورة في كتب