في القدرة انتهى. وهي نزعة اعتزالية. وثبت في صحيح مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: * (إن الله لا يظلم * مؤمنا * حسنة * يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه فى الاخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها) * ويظلم يتعدى لواحد، وهو محذوف وتقديره: لا يظلم أحدا مثقال ذرة. وينتصب مثقال على أنه نعت لمصدر محذوف أي: ظلما وزن ذرة، كما تقول: لا أظلم قليلا ولا كثيرا. وقيل: ضمنت معنى ما يتعدى لاثنين، فانتصب مثقال على أنه مفعول ثان، والأول محذوف التقدير: لا ينقص، أو لا يغضب، أو لا يبخس أحدا مثقال ذرة من الخير أو الشر، * (وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) *.
حذفت النون من تلك لكثرة الاستعمال، وكان القياس إثبات الواو، لأن الواو إنما حذفت لالتقاء الساكنين. فكان ينبغي أنه إذا حذفت ترجع الواو، ولأن الموجب لحذفها قد زال. ولجواز حذفها شرط على مذهب سيبويه وهو: أن تلاقي ساكنان، فإن لاقته نحو: لم يكن ابنك قائما، ولم يكن الرجل ذاهبا، لم يجز حذفها. وأجازه يونس، وشرط جواز هذا الحذف دخول جازم على مضارع معرب مرفوع بالضمة، فلو كان مبنيا على نون التوكيد، أو نون الإناث، أو مرفوعا بالنون، لم يجز حذفها.
وقرأ الجمهور: حسنة بالنصب، فتكون ناقصة، واسمها مستتر فيها عائد على مثقال. وأنث الفعل لعوده على مضاف إلى مؤنث، أو على مراعاة المعنى، لأن مثقال معناه زنة أي: وإن تك زنة ذرة. وقرأ الحسن والحرميان: حسنة بالرفع على أن تك تامة، التقدير: وإن تقع أو توجد حسنة. وقرأ الإبنان: يضعفها مشددة من غير ألف. قال أبو علي: المعنى فيهما واحد، وهما لغتان. ويدل على هذا قراءة من قرأ * (يضاعف * لها العذاب ضعفين) * و * (فيضاعفه له أضعافا كثيرة) *. وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز والطبري: ضاعف يقتضي مرارا كثيرة، وضعف يقتضي مرتين، وكلام العرب يقتضي عكس هذا. لأن المضاعفة تقتضي زيادة المثل، فإذا شددت اقتضت البنية التكثير فوق مرتين إلى أقصى ما يزيد من العدد، وقد تقدم لنا الكلام في هذا. وقال الزمخشري: يضاعف ثوابها لاستحقاقها ضده الثواب في كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية. وورد تضعيف الحسنة لعشر أمثالها في كتاب الله، وتضعيف النفقة إلى سبعمائة، ووردت أحاديث التضعيف ألفا وألف ألف، ولا تضاد في ذلك، إذ المراد الكثرة لا التحديد. وإن أريد التحديد فلا تضاد أيضا، لأن الموعود بذلك جميع المؤمنين، ويختلف باختلاف الأعمال. وظاهر قوله: إن الله لا يظلم مثقال ذرة الآية أنها عامة في كل أحد، وتخصيص ذلك بالمهاجرين غير ظاهر من لدنه أي: من عنده على سبيل التفضل. قال الزمخشري: سماه أجرا لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته. انتهى قال ابن مسعود وابن جبير وابن زيد الأجر: هنا الجنة. وقيل: لا حد له ولا عد.
* (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) * هو نبيهم يشهد عليهم بما فعلوا كما قال تعالى: * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) * والأمة هنا من بعث إليهم النبي من مؤمن به وكافر. لما أعلم تعالى بعدله وإيتاء فضله أتبع ذلك بأن نبه على الحالة التي يحضرونها للجزاء ويشهد عليهم فيها.
وكيف في موضع رفع إن كان المحذوف مبتدأ التقدير: فكيف حال هؤلاء السابق ذكرهم، أو كيف صنعهم. وهذا المبتدأ هو العامل في إذا، أو في موضع نصب إن كان المحذوف فعلا أي: فكيف يصنعون، أو كيف يكونون. والفعل أيضا هو العامل في إذا. ونقل ابن عطية عن مكي: أن العامل في كيف جئنا. قال: وهو خطأ، والاستفهام هنا للتوبيخ، والتقريع، والإشارة بهؤلاء إلى أمة الرسول. وقال مقاتل: إلى الكفار. وقيل: إلى اليهود والنصارى. وقيل: إلى كفار قريش. وقيل: إلى المكذبين وشهادته بالتبليغ لأمته قاله: ابن مسعود، وابن جريج، والسدي، ومقاتل. أو بإيمانهم قاله أبو