بالإحسان إلى كل مملوك من آدمي وحيوان غيره. وقد ورد غير ما حديث في الوصية بالأرقاء خيرا في صحيح مسلم وغيره. ومن غريب التفسير ما نقل عن سهل التستري قال: الجار ذو القربى هو القلب، والجار الجنب النفس، والصاحب بالجنب العقل الذي يجهر على اقتداء السنة والشرائع، وابن السبيل الجوارح المطيعة.
* (إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) * نفى تعالى محبته عمن اتصف بهاتين الصفتين: الاختيال وهو التكبر، والفخر هو عد المناقب على سبيل التطاول بها والتعاظم على الناس. لأن من اتصف بهاتين الصفتين حملتاه على الإخلال بمن ذكر في الآية ممن يكون لهم حاجة إليه. وقال أبو رجاء الهروي: لا تجد سيىء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا. قال الزمخشري: والمختال التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه، فلا يحتفى بهم، ولا يلتفت إليهم. وقال غيره: ذكر تعالى الاختيال لأن المختال يأنف من ذوي قرابته إذا كانوا فقراء، ومن جيرانه إذا كانوا ضعفاء، ومن الأيتام لاستضعافهم ومن المساكين لاحتقارهم، ومن ابن السبيل لبعده عن أهله وماله، ومن مماليكه لأسرهم في يده انتهى. وتظافرت هذه النقول على أن ذكر هاتين الصفتين في آخر الآية إنما جاء تنبيها على أن من اتصف بالخيلاء والفخر بأنف من الإحسان للأصناف المذكورين، وأن الحامل له على ذلك اتصافه بتينك الصفتين. والذي يظهر لي أن مسافهما غير هذا المساق الذي ذكروه، وذلك أنه تعالى لما أمر بالإحسان للأصناف المذكورة والتحفي بهم وإكرامهم، كان في العادة أن ينشأ عن من اتصف بمكارم الأخلاق أن يجد في نفسه زهوا وخيلا، وافتخارا بما صدر منه من الإحسان. وكثيرا ما افتخرت العرب بذلك وتعاظمت في نثرها ونظمها به، فأراد تعالى أن ينبه على التحلي بصفة التواضع، وأن لا يرى لنفسه شفوفا على من أحسن إليه، وأن لا يفخر عليه كما قال تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) * فنفى تعالى محبته عن المتحلي بهذين الوصفين. وكان المعنى أنهم أمروا بعبادة الله تعالى، وبالإحسان إلى الوالدين. ومن ذكر معهما: ونهوا عن الخيلاء والفخر، فكأنه قيل: ولا تختالوا وتفخروا على من أحسنتم إليه، إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا. إلا أن ما ذكرناه لا يتم إلا على أن يكون الذين يبخلون مبتدأ مقتطعا مما قبله، أما إن كان متصلا بما قبله فيأتي المعنى الذي ذكره المفسرون، ويأتي إعراب الذين يبخلون، وبه يتضح المعنى الذي ذكروه، والمعنى الذي ذكرناه إن شاء الله تعالى.
* (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما ءاتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) * نزلت هذه الآية في قوم كفار. روى عن ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد، وحضرمي: أنها نزلت في أحبار اليهود بخلوا بالإعلام بأمر محمد صلى الله عليه وسلم)، وكتموا ما عندهم من العلم في ذلك، وأمروا بالبخل على جهتين: أمروا أتباعهم بجحود أمر محمد صلى الله عليه وسلم) وقالوا للأنصار: لم تنفقون على المهاجرين فتفتقرون؟ وقيل: نزلت في المنافقين. وقيل: في مشركي مكة.
وعلى اختلاف سبب النزول اختلف أقوال المفسرين من المعنى بالذين يبخلون. وقيل: هي عامة في كل من يبخل ويأمر بالبخل من اليهود وغيرهم. والبخل في كلام العرب: منع السائل شيئا مما في يد المسؤول من المال، وعنده فضل. قال طاووس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يشح على ما في أيدي الناس. والبخل في الشريعة، هو منع الواجب. وقال الراغب: لم يرد البخل بالمال، بل بجميع ما فيه نفع للغير انتهى. ولما أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين ومن ذكر معهما من المحتاجين على سبيل ابتداع أمر الله، بين أن من لا يفعل ذلك قسمان. أحدهما: البخيل الذي لا يقدم على إنفاق المال البتة حتى أفرط في ذلك وأمر بالبخل. والثاني: الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، لا لغرض أمر الله وامتثاله وطاعته. وذم تعالى القسمين بأن أعقب القسم الأول: وأعتدنا للكافرين، وأعقب الثاني بقوله: * (ومن يكن الشيطان له قرينا) *.
والبخل أنواع: بخل بالمال، وبخل بالعلم وبخل