جوارحهم أنهم لم يكتموا الله شركهم. وروي عنه أيضا: أنهم لما شهدت عليهم جوارحهم لم يكتموا الله شيئا. وقال الحسن: القيامة مواقف، ففي موطن يعرفون سوء أعمالهم ويسألون أن يردوا إلى الدنيا، وفي موطن يكتمون ويقولون: والله ربنا ما كنا مشركين. وقال الفراء والزجاج: هو كلام مستأنف لا يتعلق بقوله: وتسوى بهم الأرض، والمعنى: لا يقدرون على كتمان الحديث لأنه ظاهر عند الله. وقيل: ودوا لو سويت بهم الأرض، وأنهم لم يكتموا الله حديثا. وقيل: لم يعتقدوا أنهم مشركون، وإنما اعتقدوا أن عبادة الأصنام طاعة، ذكر هذين القولين: ابن الأنباري. قال القاضي: أخبروا بما توهموا، وكانوا يظنون أنهم ليسوا بمشركين، وذلك لا يخرجهم أنهم قد كذبوا. وإذا كانت الجملة مندرجة تحت يود فقال الجمهور: هو قولهم والله ربنا ما كنا مشركين، ما كنا نعمل من سوء، وهذا يتعلق بالآخرة. وقال عطاء: أمر الرسول ونعته وبعثه، وهذا متعلق بالدنيا انتهى. ما خص من كتاب التحرير والتحبير.
وقال ابن عطية ما ملخصه: استأنف الكلام وأخبر أنهم لا يكتمون حديثا لنطق جوارحهم بذلك كله حتى يقول بعضهم: والله ربنا ما كنا مشركين، فيقول الله تعالى: كذبتم، ثم تنطق جوارحهم فلا تكتم حديثا، وهذا قول ابن عباس. وقالت طائفة مثله: إلا أنها قالت: استأنف ليخبر أن الكتم لا ينفع وإن كتموا لعلم الله جميع أسرارهم، فالمعنى: ليس ذلك المقام الهائل مقاما ينفع فيه الكتم. والفرق بين هذا والأول، أن الأول يقتضي أن الكتم لا يقع بوجه، والآخر يقتضي أن الكتم لا ينفع وقع أو لم يقع، كما تقول: هذا مجلس لا يقال فيه باطل، وأنت تريد أنه لا ينفع فيه ولا يستمع إليه. وقالت طائفة: الكلام كله متصل، والمعنى: ويودون أنهم لا يكتمون الله حديثا. وودهم ذلك إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين. وقالت طائفة: هي مواطن وفرق انتهى. وقال الزمخشري: لا يقدرون على كتمانه، لأن جوارحهم تشهد عليهم.
وقيل: الواو وللحال يودون أن يدفنوا تحت الأرض، وأنهم لا يكتمون الله حديثا، ولا يكذبون في قولهم: والله ربنا ما كنا مشركين. لأنهم إذا قالوا ذلك وجحدوا شركهم، ختم الله على أفواههم عند ذلك وتكلمت أيديهم وأرجلهم بتكذيبهم، والشهادة عليهم بالشرك. فلشدة الأمر عليهم يتمنون أن تسوى بهم الأرض انتهى. والذي يتلخص في هذه الجملة أن الواو في قوله: ولا يكتمون إما أن تكون للحال، أو للعطف فإن كانت للحال كان المعنى: أنهم يوم القيامة يودون إن كانوا ماتوا وسويت بهم الأرض، غير كاتمين الله حديثا، فهي حال من بهم، والعامل فيها تسوى. وهذه الحال على جعل لو مصدرية بمعنى أن، ويصح أيضا الحال على جعل لو حرفا لما سيقع لوقوع غيره، أي: لو تسوى بهم الأرض غير كاتمين الله حديثا لكان بغيتهم وطلبتهم. ويجوز أن يكون حالا من الذين كفروا، والعامل يود على تقدير أن تكون لو مصدرية أي: يوم القيامة يود الذين كفروا إن كانوا سويت بهم الأرض غير كاتمين، وتكون هذه الحال قيدا في الودادة. أي تقع الودادة منهم لما ذكر في حال انتفاء الكتمان، وهي حالة إقرارهم بما كانوا عليه في الدنيا من الكفر والتكذيب، ويكون إقرارهم في موطن دون موطن، إذ قد ورد أنهم يكتمون، ويبعد أن يكون حالا على هذا الوجه. ولو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره للفصل بين الحال، وعاملها بالجملة. وإن كانت الواو في: ولا يكتمون، للعطف فيحتمل أن يكون من عطف المفردات، ومن عطف الجمل. فإن كانت من عطف المفردات كان ذلك معطوفا على مفعول يود أي: يودون تسوية الأرض بهم وانتفاء الكتمان. ويحتمل أن يكون انتفاء الكتمان في الدنيا، ويحتمل أن يكون في الآخرة، وهو قولهم: والله ربنا ما كنا مشركين. ويبعد جدا أن يكون عطف على مفعول يود المحذوف، ولو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. وإن كانت من عطف الجمل فيحتمل أن يكون معطوفا على يود، أي: يودون كذا ولا يكتمون الله حديثا، فأخبر تعالى عنهم بخبرين