تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٢٥٧
بالطعام، وبخل بالسلام، وبخل بالكلام، وبخل على الأقارب دون الأجانب، وبخل بالجاه، وكلها نقائض ورذائل مذمومة عقلا وشرعا وقد جاءت أحاديث في مدح السماحة وذم البخل منها: * (مضيا ولا يرجعون ومن نعمره ننكسه فى الخلق) * وظاهر قوله بالبخل أنه متعلق بقوله: ويأمرون، كما تقول: أمرت زيدا بالصبر، فالبخل مأمور به. وقيل: متعلق الأمر محذوف، والباء في بالبخل حالية، والمعنى: ويأمرون الناس بشكرهم مع التباسهم بالبخل، فيكون نحو ما أشار إليه الشاعر بقوله:
* أجمعت أمرين ضاع الحزم بينهما * تيه الملوك وأفعال المماليك * وقرأ الجمهور: بالبخل بضم الباء وسكون الخاء. وعيسى بن عمرو الحسن: بضمهما. وحمزة الكسائي: بفتحهما، وابن الزبير وقتادة وجماعة. بفتح الباء، وسكون الخاء. وهي كلها لغات. قال الفراء: البخل مثقلة لأسد، والبخل خفيفة لتميم، والبخل لأهل الحجاز. ويخففون أيضا فتصير لغتهم ولغة تميم واحدة، وبعض بكر بن وائل بقولون البخل قال جرير:
* تريدين أن ترضي وأنت بخيلة * ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل * وأنشدني المفضل:
وأوفاهم أوان بخل وينشد هذا البيت بفتحتين وضمتين:
وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده لذو بخل كل على من يصاحب * واختلفوا في إعراب الذين يبخلون، فقيل: هو في موضع نصب بدل من قوله: من كان. وقيل: من قوله مختالا فخورا. أفرد اسم كان، والخبر على لفظ من، وجمع الذين حملا على المعنى. وقيل: انتصب على الذم. ويجوز عندي أن يكون صفة لمن، ولم يذكروا هذا الوجه. وقيل: هو في موضع رفع على إضمار مبتدأ محذوف، أي: هم الذين. وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون بدلا من الضمير في فخورا، وهو قلق. فهذه ستة أوجه يكون فيها الذين يبخلون متعلقا بما قبله، ويكون الباخلون منفيا عنهم محبة الله تعالى، وتكون الآية إذن في المؤمنين، والمعنى: أحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمى الله، فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان إليهم وهي: الخيلاء، والفخر، والبخل، والأمر به، وكتمان ما أعطاهم الله من الرزق والمال. وقيل: الذين يبخلون في موضع رفع على الابتداء، واختلفوا في الخبر: أهو محذوف؟ أم ملفوظ به؟ فقيل: هو ملفوظ به وهو قوله: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) * ويكون الرابط محذوفا تقديره: مثقال ذرة لهم، أو لا يظلمهم مثقال ذرة. وإلى هذا ذهب الزجاج، وهو بعيد متكلف لكثرة الفواصل بين المبتدأ والخبر، ولأن الخبر لا ينتظم مع المبتدأ معناه: انتظاما واضحا لأن سياق المبتدأ وما عطف عليه ظاهرا من قوله: والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، لا يناسب أن يخبر عنه بقوله: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما، بل مساق أن الله لا يظلم أن يكون استئناف كلام إخبارا عن عدله وعن فضله تعالى وتقدس. وقيل: هو محذوف فقدره الزمخشري: الذين يبخلون ويفعلون
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»