تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٨٢
الذكور من الإبل والبقر.
ولو عدم المحصر الهدي فهل له بدل ينتقل إليه؟ قال أبو حنيفة: تكون في ذمته أبدا ولا يحل حتى يجد هديا فيذبح عنه، وقال أحمد: له بدل، والقولان عن الشافعي، فعلى القول الأول: يقيم على إحرامه أو يتحلل، قولان. وعلى الثاني: يقوم الهدي بالدراهم، ويشترى بها الطعام، والكل أنه لا بدل للهدي، والظاهر أن العمرة كالحج في حكم الإحصار، وبه قال أكثر الفقهاء.
وقال ابن سيرين لا إحصار في العمرة لأنها غير مؤقتة.
والظاهر أنه لا يشترط سن في الهدي، وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا يجزي إلا الثني فصاعدا، وقال مالك: لا يجزي من الإبل إلا الثني فصاعدا، ويجوز اشتراك سبعة في بقرة أو بدنة، وهو قول أبي حنيفة، والأوزاعي، والشافعي. وقال مالك: يجوز ذلك في التطوع لا في الواجب، والظاهر وجوب * (ما * استيسر من الهدى) * وقال ابن القاسم: لا يهدي شيئا إلا إن كان معه هدي، والجمهور على أنه يحل حيث أحصر وينجز هديه إن كان ثم هدي، ويحلق رأسه.
وقال قتادة، وإبراهيم: يبعث هديه إن أمكنه، فإذا بلغ محله صار حلالا. وقال أبو حنيفة: إن كان حاجا فبالحرم متى شاء، وقال أبو يوسف، ومحمد في أيام النحر: وإن كان معتمرا فبالحرم في كل وقت عندهم جميعا، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم) هديه حيث أحصر، وكان طرف الحديبية الربى التي أسفل مكة، وهو من الحرم، وعن الزهري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم) نحر هديه في الحرم.
وقال الواقدي: الحديبية هي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة.
واختلفوا في الاشتراط في الحج إذا خاف أن يحصر بعدو أو مرض، وصيغة الاشتراط أن يقول إذا أهل: لبيك اللهم لبيك، محلي حيث حبستني. فذهب الثوري، وأبو حنيفة، ومالك، وأصحابهم إلى أنه لا ينفعه الاشتراط. وقال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والشافعي: في القديم لا بأس أن يشترط، وله شروط، فيه حديث خرج في الصحيح: ولا قضاء عليه عند الجميع إلا من كان لم يحج، فعليه حجة الإسلام، وشذ بن الماجشون فقال: ليس عليه حجة الإسلام، وقد قضاها حين أحصر.
وما، من قوله: * (فما استيسر) * موصولة، وهي مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: فعليه ما استيسر، قاله الأخفش، أو: في موضع نصب: فليهد قاله أحمد ابن يحيى، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: فالواجب له استيسر، واستيسر هو بمعنى الفعل المجرد، أي: يسر، بمعنى: استغنى وغني، واستصعب وصعب، وهو أحد المعاني التي جاءت لها استفعل.
ومن، هنا تبعيضية، وهي في موضع الحال من الضمير المستكن في استيسر العائد على ما، فيتعلق بمحذوف التقدير: كائنا من الهدي، ومن أجاز أن يكون: من، لبيان الجنس، أجاز ذلك هنا. والألف واللام في: الهدي، للعموم.
وقرأ مجاهد، والزهري، وابن هرمز، وأبو حيوة: الهدي، بكسر الدال وتشديد الياء في الموضعين، يعني هنا في الجر والرفع، وروي ذلك عصمة عن عاصم.
* (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله) * هذا نهي عن حلق الرأس مغيا ببلوغ الهدي محله، ومفهومه: إذا بلغ الهدي محله فاحلقوا روؤسكم. والضمير في. تحلقوا، يحتمل أن يعود على المخاطبين بالإتمام، فيشمل المحصر وغيره، ويحتمل أن يعود على المحصرين، وكلا الاحتمالين قال به قوم، وأن يكون خطابا للمحصرين هو قول الزمخشري، قال: أي: لا تحلوا حتى تعلموا أن الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم بلغ محله، أي: مكانه الذي يجب نحره فيه، ومحل الدين وقت وجوب قضائه، وهو على ظاهر مذهب أبي حنيفة. انتهى كلامه.
وكأنه رجح كونه للمحصرين، لأنه أقرب مذكور، وظاهر قول ابن عطية أنه يختار أن يكون الخطاب لجميع الأمة محصرا كان المحرم أو مخلى، لأنه قدم هذا القول، ثم حكى القول الآخر، قال: ومن العلماء من يراها للمحصرين خاصة في قوله: * (ولا تحلقوا رءوسكم) * مجاز في الفاعل وفي المفعول، أما في الفاعل ففي إسناد الحلق إلى الجميع، وإنما يحلق بعضهم رأس بعض، وهو مجاز شائع كثير، تقول: حلقت: رأسي، والمعنى أن غيره حلقه له: وأما المجاز ففي المفعول، فالتقدير: شعر رؤوسكم، فهو على حذف مضاف، والخطاب يخص الذكور، والحلق للنساء مثله في
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»