تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٨١
في أن الحج فرض، وأنه أحد الأركان التي بني الإسلام عليها، وفروضه: النية، والإحرام، والطواف المتصل بالسعي بين الصفا والمروة، خلافا لأبي حنيفة، والوقوف بعرفة، والجمرة، على قول ابن الماجشون، والوقوف بمزدلفة على قول الأوزاعي.
وأما أعمال العمرة: فنية، وإحرام، وطواف، وسعي. ولا يدل الأمر بإتمام الحج والعمرة على فرضية العمرة، ولا على، أنها سنة، فقد يصح صوم رمضان وشئ من شوال بجامع ما اشتركا فيه من المطلوبية، وإن اختلفت جهتا الطلب، ولذلك ضعف قول من استدل على أن العمرة فرض بقوله: وأتموا. وروي ذلك عن علي، وابن عباس، وابن عمر، ومسروق، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وابن سيرين، والشعبي، وابن جبير، وأبي بردة، وعبد الله بن شداد؛ ومن علماء الأمصار: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيدة، وابن حميم، من المالكيين.
وذهب جماعة من الصحابة إلى أن العمرة سنة، منهم: ابن مسعود، وجابر، ومن التابعين: النخعي، ومن علماء الأمصار: مالك، وأبو حنيفة، إلا أنه إذا شرع فيها عندهما وجب إتمامها. وحكى بعض القزوينيين والبغداديين عن أبي حنيفة القولين، والحجج منقولة في كتب الفقه.
* (فإن أحصرتم) * ظاهره ثبوت هذا الحكم للأمة، وأنه يتحلل بالإحصار. وروى عن عائشة وابن عباس: أنه لا يتحلل من إحرامه إلا بأداء نسكه، والمقام على إحرامه إلى زوال إحصاره. وليس لمحرم أن يتحلل بالإحصار بعد النبي صلى الله عليه وسلم)، فإن كان إحرامه بعمرة لم يفت، وإن كان بحج ففاته قضاه بالفوات بعد إحلاله منه وتقدم الكلام في الإحصار.
وثبت بنقل من نقل من أهل اللغة: أن الإحصار والحصر سواء، وأنهما يقالان في المنع بالعدو، وبالمرض، وبغير ذلك من الموانع، فتحمل الآية على ذلك، ويكون سبب النزول ورد على أحد مطلقات الإحصار.
وليس في الآية تقييد، وبهذا قال قتادة، والحسن، وعطاء، والنخعي، ومجاهد، وأبو حنيفة، وقال علقمة، وعروة: الآية نزلت فيمن أحصر بالمرض لا بالعدو، وقال ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ومالك، والشافعي. لا يكون الإحصار إلا بالعدو فقط.
قال ابن عباس: والآية نزلت فيمن أحصر بالعدو لا بالمرض. وقال مالك، والشافعي: ولو أحصر بمرض فلا يحله إلا البيت، ويقيم حتى يفيق، ولو أقام سنين.
وظاهر قوله: * (فإن أحصرتم) * استواء المكي والآفاقي في ذلك، وقال عروة، والزهري، وأبو حنيفة: ليس على أهل مكة إحصار.
وظاهر لفظ: أحصرتم، مطلق الإحصار، وسواء علم بقاء العدو استيطانه لقوته وكثرته، فيحل المحصر مكانه من ساعته على قول الجمهور، أو رجي زواله، وقيل: لا يباح له التحلل إلا بعد أن يبقى بينه وبين الحج مقدار ما يعلم أنه لو زال العدو لم يدرك الحج، فيحل حينئذ، وبه قال ابن القاسم، وابن الماجشون.
وقيل: من حصر عن الحج بعذر حتى يوم النحر فلا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة، ومطلق الإحصار يشمل قبل عرفة وبعدها خلافا لأبي حنيفة، فإن من أحصر بمكة أو بعد الوقوف فلا يكون محصرا؛ وبناء الفعل للمفعول يدل على أن المحصر بمسلم أو كافر سواء.
* (فما استيسر من الهدى) * هو شاة، قاله علي، وابن عباس، وعطاء، وابن جبير، وقتادة، وإبراهيم، والضحاك، ومغيرة. وقد سميت هديا في قوله: * (هديا بالغ الكعبة) * وقال الحسن، وقتادة: أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأدناه شاة. وبه قال مالك، وأبو يوسف، وزفر، يكون من الثلاثة، يكون المستيسر على حكم حال المهدي، وعلى حكم الموجود.
وروى طاووس عن ابن عباس: أنه على قدر الميسرة، وقال ابن عمر، وعائشة، والقاسم، وعروة: هو جمل دون جمل، وبقرة دون بقرة، ولا يكون الهدي إلا من هذين، ولا يكون الشاة من الهدي، وبه قال أبو حينفة.
قال ابن شبرمة: من الإبل خاصة، وقال الأوزاعي يهدي
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»