هن سكن لكم، أي: يسكن بعضكم إلى بعض، كقوله: * (وهو الذى جعل لكم اليل لباسا والنوم سباتا) * وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب، بل هي مستأنفة كالبيان لسبب الإحلال، وهو عدم الصبر عنهن لكونهن لكم في المخالطة كاللباس، وقدم: هن لباس لكم، على قوله: وأنتم لباس لهن، لظهور احتياج الرجل إلى المرأة وقلة صبره عنها، والرجل هو البادىء بطلب ذلك الفعل، ولا تكاذ المرأة تطلب ذلك الفعل ابتداء لغلبة الحياء عليهن حتى إن بعضهن تستر وجهها عند المواقعة حتى لا تنظر إلى زوجها حياء وقت ذلك الفعل.
جمعت الآية ثلاثة أنواع من البيان: الطباق المعنوي، بقوله: * (أحل لكم) *، فإنه يقتضي تحريما سابقا، فكأنه أحل لكم ما حرم عليكم، أو ما حرم على من قبلكم، والكناية بقوله: الرفث، وهو كناية عن الجماع، والاستعارة البديعة بقوله: هن لباس لكم، وأفرد اللباس لأنه كالمصدر، تقول: لابست ملابسة ولباسا.
* (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) *: إن كانت: علم، معداة تعدية عرف، فسدت أن مسد المفعول، أو التعدية التي هي لها في الأصل، فسدت مسد المفعولين، على مذهب سيبويه، وقد تقدم لنا نظير هذا. وتختاتون: هو من الخيانة، وافتعل هنا بمعنى فعل، فاختان. بمعن: خان، كاقتدر بمعنى: قدر.
قيل وزيادة الحرف تدل على الزيادة في المعنى، والاختيان هنا معبر به عما وقفوا فيه من المعصية بالجماع، وبالأكل بعد النوم، وكان ذلك خيانة لأنفسهم، لأن وبال المعصية عائد على أنفسهم، فكأنه قيل: تظلمون أنفسكم وتنقصون حقها من الخير، وقيل: معناه، تستأثرون أنفسكم فيما نهيتم عنه، وقيل: معناه: تتعهدون أنفسكم بإتيان نسائكم.
يقال: تخون، وتخول، بمعنى: تعهد، فتكون النون بدلا من اللام لأنه باللام أشهر. وقال أبو مسلم: هي عبارة عن عدم الوفاء بما يجب عليه من حق النفس، ولذلك قال: أنفسكم، ولم يقل: الله، وظاهر الكلام وقوع الخيانة منهم لدلالة كان على ذلك، وللنقل الصحيح في حديث الجماع وغيره، وقيل: ذلك على تقدير ولم يقع بعد، والمعنى: تختانون أنفسكم لو دامت تلك الحرمة، وهذا فيه ضعف لوجود: كان، ولأنه إضمار لا يدل عليه دليل، ولمنافاة ظاهر قوله: * (فتاب عليكم وعفا عنكم) *.
* (فتاب عليكم) * أي: قبل توبتكم حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور، وقيل: معناه خفف عنكم بالرخصة والإباحة كقوله: * (علم أن لن تحصوه فتاب عليكم) * * (فصيام شهرين متتابعين توبة من الله) * * (لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والانصار) * معناه كله التخفيف، وقيل: معناه أسقط عنكم ما أفترضه من تحريم الأكل والشرب والجماع بعد العشاء، أو بعد النوم على الخلاف، وهذا القول راجع لمعنى القول. الثاني: * (وعفا عنكم) * أي: عن ذنوبكم فلا يؤاخذكم، وقبول التوبة هو رفع الذنب كما قال صلى الله عليه وسلم): (التوبة تمحو الحوبة والعفو تعفية أثر الذنب) فهما راجعان إلى معنى واحد، وعاقب بينهما للمبالغة، وقيل: المعنى، سهل عليكم أمر النساء فيما يؤتنف، أي: ترك لكم التحريم، كما تقول: هذا شيء معفو عنه، أي: متروك، ويقال: أعطاه عفوا أي سهلا لم يكلفه إلى سؤال، وجرى الفرس شأوين عفوا، أي: من ذاته غير إزعاج واستدعاء بضرب بسوط، أو نخس بمهماز.
* (فالن باشروهن) * تقدم الكلام على، الآن، في قوله: * (قالوا الئان جئت بالحق) * أي: فهذا الزمان، أي: ليلة الصيام باشروهن، وهذا أمر يراد به الإباحة لكونه ورد بعد النهي، ولأن الإجماع انعقد عليه، والمباشرة في قول الجمهور: الجماع، وقيل: الجماع فما دونه، وهو مشتق من تلاصق البشرتين، فيدخل فيه المعانقة والملامسة. وإن قلنا: المراد به هنا الجماع، لقوله: الرفث، ولسبب النزول، فإباحته تتضمن إباحة ما دونه.
* (وابتغوا ما كتب الله لكم) * أي: اطلبوا، وفي تفسير: ما كتب الله، أقوال.
أحدهما: أنه الولد، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، والضحاك، والربيع، والسدي، والحكم بن عتيبة: لما أبيحت لهم المباشرة أمروا بطلب ما قسم الله لهم وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد، وكأنه أبيح لهم ذلك لا لقضاء الشهوة فقط، لكن لابتغاء ما شرع الله النكاح له