تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٦٧
وقال ابن عطية: * (ثقفتموهم) * أحكمتم غلبتهم، يقال: رجل ثقف لقف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور. انتهى. ويقال: ثقف الشيء ثقافة إذا حذقه، ومنه أخذت الثقافة بالسيف، والثقافة أيضا حديدة تكون للقواس والرماح يقوم بها المعوج، وثقف الشيء: لزمه، وهو ثقف إذا كان سريع العلم، وثقفته: قومته، ومنه الرماح المثقفة، أي: المقومة وقال الشاعر:
* ذكرتك والخطي يخطر بيننا * وقد نهلت منا المثقفة السمر * يعنى الرماح المقومة.
* (التهلكة) *. على وزن تفعلة، مصدر لهلك، وتفعلة مصدرا قليل، حكى سيبويه منه: التضرة والتسرة، ومثله من الأعيان: التنصبة، والنفلة، يقال: هلك هلكا وهلاكا وتهلكة وهلكاء على وزن فعلاء، ومفعل من هلك جاء بالضم والفتح والكسر، وكذلك بالتاء، هو مثلث حركات العين، والضم في مهلك نادر، والهلاك في ذي الروح: الموت، وفي غيره: الفناء والنفاد.
وكون التهلكة مصدرا حكاه أبو علي عن أبي عبيدة، وقلة غيره من النحويين قال الزمخشري: ويجوز أن يقال: أصلها التهلكة كالتجربة والتبصرة ونحوهما على أنها مصدر من هلك، يعني المشدد اللام، فأبدلت من الكسرة ضمة، كما جاء الجوار. انتهى كلامه.
وما ذهب إليه ليس بجيد، لأن فيها حملا على شاذ، ودعوى إبدال لا دليل عليه، أما الحمل على الشاذ فحمله على أن أصل تفعله ذات الضم، على تفعله ذات الكسر، وجعل تهلكة مصدرا لهلك المشدد اللام، وفعل الصحيح اللام غير المهموز قياس مصدره أن يأتي على تفعيل، نحو: كسر تكسيرا، ولا يأتي على تفعله، إلا شاذا، فألاولى جعل تهلكة مصدرا، إذ قد جاء ذلك نحو: التضرة. وأما تهلكة فالأحسن أيضا أن يكون مصدرا لهلك المخفف اللام، لأن بمعنى تهلكة بضم الللام، وقد جاء في مصادر فعل: تفعلة قالوا: جل الرجل تجله، أي جلالا، فلا يكون تهلكة إذ ذاك مصدرا لهلك المشدد اللام، وأما إبدال الضمة من الكسرة لغير علة ففي غاية الشذوذ، وأما تمثيله بالجوار والجوار فلا يدعى فيه الإبدال، بل يبني المصدر فيه على فعال بضم الفاء شذوذا.
وزعم ثعلب أن التهلكة مصدر لا نظير له، إذ ليس في المصادر غيره، وليس قوله بصحيح، إذ قد حكينا عن سيبويه أنه حكى التضرة والتسرة مصدرين.
وقيل: التهلكة ما أمكن التحرز منه، والهلاك ما لا يمكن التحرز منه، وقيل التهلكة: الشيء المهلك، والهلاك حدوث التلف، وقيل: التهلكة كل ما تصير غايته إلى الهلاك.
* (أحصرتم) * قال يونس بن حبيب: أحصر الرجل رد عن وجه يريده، قيل: حصر وأحصر لمعنى واح، قاله الشيباني، والزجاج، وقاله ابن عطية عن الفراء، وقال ابن ميادة:
* وما هجر ليلى أن يكون تباعدت * عليك ولا أن أحصرتك شغول *
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»