به على قلة فطنة الرجل، وقال:
* عريض القفا ميزانه عن شماله * قد أنحص من حسب القراريط شاربه وكل ما دق واستطال وأشبه الخيط سمته العرب خيطا.
* وقال الزجاج: هما فجران: أحدهما يبدو سوادا معترضا، وهو الخيط الأسود؛ والأخر يطلع ساطعا يملأ الأفق، فعنده الخيطان: هما الفجران، سميا بذلك لامتدادهما تشبيها بالخيطين. وقوله: من الفجر، يدل على أنه أريد بالخيط الأبيض الصبح الصادق، وهو البياض المستطير في الأفق، لا الصبح الكاذب، وهو البياض المستطيل، لأن الفجر هو انفجار النور، وهو بالثاني لا بالأول، وشبه بالخيط وذلك بأول حاله، لأنه يبدو دقيقا ثم يرتفع مستطيرا، فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك. هذا مذهب الجمهور، وبه أخذ الناس ومضت عليه الأعصار والأمصار، وهو مقتضى حديث ابن مسعود، وسمرة بن جندب.
وقيل: يجب الإمساك بتبين الفجر في الطرق، وعلى رؤوس الجبال، وهاذ مروي عن عثمان، وحذيفة وابن عباس، وطلق بن علي، وعطاء، والأعمش، وغيرهم.
وروي عن علي أنه صلى الصبح بالناس ثم قال: الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد تقدم ذكر الخلاف في النهار، وفي تعيينه إباحة المباشرة والأكل والشرب بتبين الفجر للصائم دلالة على أن من شك في التبين وفعل شيئا من هذه، ثم انكشف أنه كان الفجر قد طلع وصام، أنه لا قضاء لأنه غياه بتبين الفجر للصائم لا بالطلوع.
وروي عن ابن عباس أنه بعث رجلين ينظران له الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجر، وقال الآخر: لم يطلع. فقال اختلفتما، فأكل وبان لا قضاء عليه.
قال الثوري، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وقال مالك: إن أكل شاكا في الفجر لزمه القضاء، والقولان عن أبي حنيفة.
وفي هذه التغيئة أيضا دلالة على جواز المباشرة إلى التبين، فلا يجب عليه الاغتسال قبل الفجر لأنه إذا كانت المباشرة مأذونا فيها إلى الفجر لم يمكنه الاغتسال إلا بعد الفجر، وبهذا يبطل مذهب أبي هريرة. والحسن يرى: أن الجنب إذا أصبح قبل الاغتسال إلا بعد الفجر، وبهذا يبطل مذهب أبي هريرة. والحسن يرى: أن الجنب إذا أصبح قبل الاغتسال بطل صومه، وقد روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان يصبح جنبا من جماع وهو صائم، وهذه التغيئة إنما هي حيث يمكن التبين من طريق المشاهدة، فلو كانت مقمرة أو مغيمة، أو كان في موضع لا يشاهد مطلع الفجر، فإنه مأمور بالاحتياط في دخول الفجر، إذ لا سبيل له إلى العلم بحال الطلوع، فيجب عليه الإمساك إلى التيقن بدخول وقت الطلوع استبراء لدينه.
وذهب أبو مسلم أنه لا فطر إلا بهذه الثلاثة: المباشرة، والأكل، والشرب. وأما ما عداها من القيء، والحقنة، وغير ذلك، فإنه كان على الإباحة، فبقي عليهم.
وأما الفقهاء فقالوا: خصت هذه الثلاثة بالذكر لميل النفس إليها، وأما القيء، والحقنة، فالنفس تكرههما، والسعوط نادر، فلهذا لم يذكرها.
ومن الأولى، هي لابتداء الغاية، قيل: وهي مع ما بعدها في موضع نصب، لأن المعنى: حتى يباين الخيط الأبيض الخيط الأسود، كما يقال: بانت اليد من زندها، أي فارقته، ومن، الثانية للتبعيض، لأن الخيط الأبيض هو بعض الفجر وأوله، ويتعلق أيضا يتبين، وجاز تعلق الحرفين بفعل واحد، وقد اتحد اللفظ لاختلاف المعنى، فمن الأولى هي لابتداء الغاية، ومن الثانية هي للتبعيض. ويجوز أن يكون للتبعيض للخيطين معا، على قول الزجاج، لأن الفجر عنده فجران، فيكون الفجر هنا لا يراد به الإفراد، بل يكون جنسا