له قبل إلى القابلة، وأن عمر، وكعبا الأنصاري، وجماعة من الصحابة واقعوا أهلهم بعد العشاء الآخرة، وأن قيس بن صرمة الأنصاري نام قبل أن يفطر وأصبح صائما فغشي عليه عند انتصاف النهار، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم)، فنزلت.
وقال بعض العلماء: نزلت الآية في زلة ندرت، فجعل ذلك سبب رخصة لجميع المسلمين إلى يوم القيامة، هذا إحكام العناية.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها من الآيات أنها من تمام الأحوال التي تعرض للصائم، ولما كان افتتاح آيات الصوم بأنه: كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا، اقتضى عموم التشبيه في الكتابة، وفي العدد، وفي الشرائط، وسائر تكاليف الصوم. وكان أهل الكتاب قد أمروا بترك الأكل بالحل، والشرب والجماع في صيامهم بعد أن يناموا، وقيل: بعد العشاء، وكان المسلمون كذلك، فلما جرى لعمر وقيس ما ذكرناه في سبب النزول، أباح الله لهم ذلك من أول الليل إلى طلوع الفجر، لطفا بهم. وناسب أيضا قوله تعالى: في آخر آية الصوم: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * وهذا من التيسير.
وقوله: أحل، يقتضي أنه كان حراما قبل ذلك، وقد تقدم نقل ذلك في سبب النزول، لكنه لم يكن حراما في جميع الليلة، ألا ترى أن ذلك كان حلالا، لهم إلى وقت النوم أو إلى بعد العشاء؟.
وقرأ الجمهور: أحل، مبنيا للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به، وقرئ، أحل مبنيا للفاعل، ونصب: الرفث به، فأما أن يكون من باب الإضمار لدلالة المعنى عليه، إذ معلوم للمؤمنين أن الذي يحل ويحرم هو الله، وأما أن يكون من باب الالتفات، وهو الخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب، لأن قبله: * (فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى) * ولكم، متعلق بأحل، وهو التفات، لأن قبله ضمير غائب، وانتصاب: ليلة، على الظرف، ولا يراد بليلة الوحدة بل الجنس، قالوا: والناصب لهذا الظرف: أحل، وليس بشيء، لأن: ليلة، ليس بظرف لأحل، إنما هو من حيث المعنى ظرف للرفث، وإن كانت صناعة النحو تأبى أن تكون انتصاب ليلة بالرفث، لأن الرفث مصدر وهو موصول هنا، فلا يتقدم معموله، لكن يقدر له ناصب، وتقديره: الرفث ليلة الصيام، فحذف، وجعل المذكور مبنيا له كما قالوا في قوله:
وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان أن تقديره: إذعان للذلة إذعان، وكما خرجوا قوله: * (إني لكما لمن الناصحين) * * (وإنى * لعملكم من القالين) * أي ناصح لكما، وقال: لعملكم، فما كان من الموصول قدم ما يتعلق به من حيث المعنى عليه أضمر له عامل يدل عليه ذلك الموصول، وقد تقدم أن من النحويين من يجيز تقدم الظرف على نحو هذا المصدر، وأضيفت: الليلة، إلى الصيام على سبيل الاتساع، لأن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، ولما كان الصيام ينوى في الليلة ولا يتحقق إلا بصوم جزء منها صحت الإضافة.
وقرأ الجمهور: الرفث، وقرأ عبد الله: الرفث، وكنى به هنا عن الجماع، والرفث قالوا: هو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه، كلفظ: النيك، وعبر باللفظ القريب من لفظ النيك تهجينا لما وجد منهم، إذ كان ذلك حراما عليهم، فوقعوا فيه كما قال فيه: * (تختانون أنفسكم) * فجعل ذلك خيانة، وعدى بإلى، وإن كان أصله التعدية بالباء لتضمينه معنى الإفضاء، وحسن اللفظ به هذا التضمين، فصار ذلك قريبا من الكنايات التي جاءت في القرآن من قوله: * (فلما تغشاها) * * (ولا تقربوهن) * * (فأتوا حرثكم) * * (فالن باشروهن) *.
والنساء جمع الجمع، وهو نسوة، أو جمع امرأة على غير اللفظ، وأضاف: النساء إلى المخاطبين لأجل الاختصاص، إذ لا يحل الإفضاء إلا لمن اختصت بالمفضي: أما بتزويج أو ملك.
* (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * اللباس، أصله في الثوب، ثم يستعمل في المرأة.
قال أبو عبيدة: يقال للمرأة هي لباسك، وفراشك، وإزارك لما بينهما من الممازجة. ولما كان يعتنقان ويشتمل كل منهما صاحبه في العناق، شبه كل منهما باللباس الذي يشتمل على الإنسان.
قال الربيع: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن، وقال مجاهد، والسدي