تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٧٢
إلى أن معناه: لا صمت يوم، أي عن ذكر الله، وأما الصمت عما لا منفعة فيه، فحسن.
واستثناء الرمز، قيل: هو استثناء منقطع، إذا الرمز لا يدخل تحت التكليم، من أطلق الكلام في اللغة على الإشارة الدالة على ما في نفس المشير، فلا يبعد أن يكون هذا استثناء متصلا على مذهبه. ولذلك أنشد النحويون:
* أرادت كلاما فاتقت من رقيبها * فلم يك إلا ومؤها بالحواجب * وقال:
* إذا كلمتني بالعيون الفواتر * رددت عليها بالدموع البوادر واستعمل المولدون هذا المعنى. قال حبيب:
كلمته بجفون غير ناطقة فكان من رده ما قال حاجبه وكونه استثناء متصلا بدأ به الزمخشري. قال: لما أدى مؤدي الكلام، وفهم منه ما يفهم منه، سمي كلاما.
* وأما ابن عطية فاختار أن يكون منقطعا. قال: والكلام المراد به في الآية إنما هو النطق باللسان لا الإعلام بما في النفس، فحقيقة هذا الاستثناء أنه منقطع، وبدأ به أولا، فقال استثناء الرمز وهو استثناء منقطع، ثم قال: وذهب الفقهاء في الإشارة ونحوها إلى أنها في حكم الكلام في الإيمان ونحوها، فعلى هذا يجيء الاستثناء متصلا، والرمز هنا: تحريك بالشضفتين، قاله مجاهد. أو: إشارة باليد والرأس، قاله الضحاك، والسدي، وعبد الله بن كثير. أو: إشارة باليد، قاله الحسن. أو: إيماء، قاله قتادة. فالإيماء هو الإشارة لكنه لم يعين بماذا أشار. وروي عن قتادة: إشارة باليد أو إشارة بالعين، روي ذلك عن الحسن.
وقيل: رمزه الكتابة على الأرض. وقيل: الإشارة بالإصبع المسبحة. وقيل: باللسان. ومنه قول الشاعر:
* ظل أياما له من دهره * يرمز الأقوال من غير خرس * وقيل: الرمز الصوت الخفي.
وقرأ علقمة بن قيس، ويحيى بن وثاب: رمزا، بضم الراء والميم، وخرج على أنه جمع رموز، كرسل ورسول، وعلى أنه مصدر كرمز جاء على فعل، وأتبعت العين الفاء كاليسر واليسر.
وقرأ الأعمش: رمزا، بفتح الراء والميم، وخرج على أنه جمع رامز، كخادم وخدم، وانتصابه إذا كان جمعا على الحال من الفاعل، وهو الضمير في تكلم، ومن المفعول وهو: الناس. كما قال الشاعر:
* فلئن لقيتك خاليين لتعلمن * أيى وأيك فارس الأحزاب * أي: إلا مترامزين كما يكلم الأخرس الناس ويكلمونه.
وفي قوله: * (إلا رمزا) * دلالة على أن الإشارة تتنزل منزلة الكلام، وذلك موجود في كثير من السنة. وفي الحديث: (أين الله). فأشارت برأسها إلى السماء، فقال: (أعتقها فإنها مؤمنة). فأجاز الإسلام بالإشارة وهو أصل الديانة التي تحقن الدم وتحفظ المال وتدخل الجنة، فتكون الإشارة عامة في جميع الديانات، وهو
(٤٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 ... » »»