قول عامة الفقهاء.
* (واذكر ربك كثيرا) * قيل: الذكر هنا هو بالقلب، لأنه منع من الكلام. وقيل: باللسان لأنه منع من الكلام مع الناس ولم يمنع من الذكر. وقيل: هو على حذف مضاف، أي: واذكر عطاء ربك وإجابته دعائك. وقال محمد بن كعب القرظي: لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا، وللرجل في الحرب. وقد قال تعالى: * (إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا) * وأمر بكثرة الذكر ليكثر ذكر الله له بنعمه وألطافه، كما قال تعالى: * (فاذكرونى أذكركم) *.
وانتصاب: كثيرا، على أنه نعت لمصدر محذوف، أو منصوب على الحال من ضمير المصدر المحذوف الدال عليه: اذكروا، على مذهب سيبويه.
* (وسبح بالعشى والإبكار) * أي: نزه الله عن سمات النقص بالنطق باللسان بقولك: سبحان الله. وقيل: معنى وسبح وصل، ومنه: كان يصلي سبحة الضحى أربعا، فلولا أنه كان من المسبحين على أحد الوجهين.
والظاهر أنه أمر بتسبيح الله في هذين الوقتين: أول الفجر، ووقت ميل الشمس للغروب، قاله مجاهد وقال غيره: يحتمل أن يكون أراد بالعشي الليل، وبالإبكار النهار، فعبر بجزء كل واحد منهما عن جملته، وهو مجاز حسن.
ومفعول: وسبح، محذوف للعلم به، لأن قبله: * (واذكر ربك كثيرا) * أي: وسبح ربك. و: الباء في: بالعشي، ظرفية أي: في العشي.
وقرئ شاذا والإبكار، بفتح الهمزة، وهو جمع بكر بفتح الباء والكاف، تقول: أتيتك بكرا، وهو مما يلتزم فيه الظرفية إذا كان من يوم معين ونظيره: سحر وأسحار، وجبل وأجبال. وهذه القراءة مناسبة للعيش على قول من جعله جمع عشية إذ يكون فيها تقابل من حيث الجمعية، وكذلك هي مناسبة إذا كان العيش مفردا، وكانت الألف واللام فيه للعموم، كقوله: * (إن الإنسان * لفى * خسر) * وأهلك الناس الدينار الصفر.
وأما على قراءة الجمهور: والإبكار، بكسر الهمزة، فهو مصدر، فيكون قد قابل العشي الذي هو وقت، بالمصدر، فيحتاج إلى حذف أي: بالعشي ووقت الإبكار. والظاهر في: بالعشي والإبكار، أن الألف واللام فيهما للعموم، ولا يراد به عشى تلك الثلاثة الأيام ولا وقت الإبكار فيها.
وقال الراغب: لم يعن التسبيح طرفي النهار فقط، بل إدامة العبادة في هذه الأيام. وقال غيره: يدل على أن المراد بالتسبيح الصلاة، ذكره العشي وازبكار فكأنه قال: اذكر ربك في جميع هذه الأيام والليالي، وصل طرفي النهار. إنتهى.
ويتعلق: بالعشي، بقوله: وسبح، ويكون على إعمال الثاني وهو الأولى، إذ لو كان متعلقا بقوله: واذكر ربك، لأضمر في الثاني، إذ لا يجوز حذفه إلا في ضرورة.
قيل: أو في قليل من الكلام، ويحتمل أن يكون من باب الإعمال، فيكون الأمر بالذكر غير مقيد بهذين الزمانين.
قيل: وتضمنت هذه الآية من فنون الفصاحة أنواعا: الزيادة في البناء في قوله: هنالك، وقد ذكرت فائدته و: التكرار، في ربه: قال رب، وفي أن الله يبشرك، وبكلمة من الله. وفي آية قال: آيتك، وفي: يكون لي غلام كانت وتأنيث المذكر حملا على اللفظ. وفي: ذرية طيبة، و: الإسناد المجازي في: وقد بلغني الكبر، والسؤال والجواب: قال رب أني؟ قال كذلك قال رب، اجعل لي آية. قال: آيتك.
قال أرباب الصناعة: أحسن هذا النوع ما كثرت فيه القلقلة والحذف في مواضع.