وقد قال سليمان بعد حصول النبوة له * (وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين) * قيل: وتحقيق ذلك أن للأنبياء قدرا من الصلاح لو انتقص لانتفت النبوة، ثم بعد اشتراكهم في ذلك القدر تتفاوت درجاتهم في الزيادة على ذلك القدر، فمن كان أكثر نصيبا من الصلاح كان أعلى قدرا.
وقال الماتريدي: الصلاح يتحقق في كل نبي من جميع الوجوه، وفي غيرهم لا يتحقق إلا بعضها، وإن كان الاسم ينطلق على الكل لكن سبب استحقاق الاسم في الأنبياء هو تحقيق الصلاح من جميع الوجوه، وفي غيرههم من بعضها، فخصه بالذكر حتى ينقطع احتمال جواز النبوة في مطلق المؤمنين، فكان تقييده باسم الصلاح مفيدا.
وقيل: من الصالحين في الدنيا والآخرة، فيكون إشارة إلى الدوام على الإيمان، والأمن من خوف الخاتمة.
* (قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر) * كان قد تقدم سؤاله به: * (رب هب لى من لدنك ذرية طيبة) * فلا شك في إمكانية ذلك، وجوازه: وإذا كان ذلك ممكنا وبشرته به الملائكة، فما وجه هذا الاستفهام؟.
وأجيب بوجوه:.
أحدهما: أنه سؤال عن الكيفية، والمعنى: أيولد لي على سن الشيخوخة وكون امرأتي عاقرا؟ أي بلغت سن من لا تلد، وكان قد بلغ تسعا وتسعين سنة، وامرأته بلغت ثمانيا وتسعين سنة وقال ابن عباس: كان يوم بشر ابن عشرين ومائة سنة وقال الكلبي: ابن اثنتين وتسعين سنة.
أم أعاد أنا وامرأتي إلى سن الشبيبة وهيئة من يولد له؟ فأجيب: بأنه يولد له على هذه الحال. قال معناه: الحسن، والأصم.
الثاني: أنه لما بشر بالولد استعلم: أيكون ذلك الولد من صلبه نفسه أم من بنيه؟.
الثالث: أنه كان نسي السؤال، وكان بين السؤال والتبشير أربعون سنة ونقل عن سفيان أنه كان بينهما ستون سنة.
الرابع: أن هذا الاستعلام هو على سبيل الاستعظام لقدرة الله تعالى، يحدث ذلك عند معاينة الآيات وهو يرجع معناه إلى ما قاله بعضهم: إن ذلك من شدة الفرح، لكونه كالمدهوش عند حصول ما كان مستعبدا له عادة.
الخامس: إنما سأل لأنه كان عاجزا عن الجماع لكبر سنه، فسأل ربه: هل يقويه على الجماع وامرأته على القبول على حال الكبر؟
السادس: سأل هل يرزق الولد من امرأته العاقر أم من غيرها.
السابع: أنه لما بشر بالولد أتاه الشيطان ليكدر عليه نعمة ربه، فقال له: هل تدري من ناداك؟ قال: ملائكة ربي قال له: بل ذلك الشيطان، ولو كان هذا من عند ربك لأخفاه لك كما أخفيت نداءك، فخالطت قلبه وسوسة، فقال: * (أنى يكون لي غلام) * ليبين الله له من الوحي، قاله عكرمة، والسدي. قال القاضي: لو اشتبه على الرسل كلام الملك بكلام الشيطان لم يبق الوثوق بجميع الشرائع.
وأجيب: بأن ما قاله لا يلزم لاحتمال أن تقوم المعجزة على الوحي بما بتعلق بالدين، وأما ما يتعلق بمصالح الدنيا فربما لا يؤكد بالمعجزة، فيبقى الاحتمال، فيطلب زواله.
وقال الزمخشري: استبعاد من حيث العادة. كما قالت مريم. إنتهى. وعلى ما قاله: لو كان استبعادا لما سأله بقوله: * (هب لى من لدنك ذرية طيبة) * لأنه لا يسأل إلا ما كان ممكنا لا سيما