تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٦٧
تجب طاعته. ولهذا قيل للزوج: سيد وقيل: سيد الغلام، وقال سلمة عن الفراء: السيد المالك، والسيد الرئيس، والسيد الحكيم، والسيد السخي.
وجاء في الحديث: (السيد من أعطى مالا ورزق سماحا، فأدنى الفقراء، وقلت شكايته في الناس). وفي معناه: من بذل معروفه وكف أذاه وقال في الحديث بني سلمة وقد سألهم من سيدكم فقالوا الجد بن قيس على بخله فقال عليه السلام: (وأي داء أدوى من البخل؟ سيدكم عمرو بن الجموح). وسمي أيضا سعد بن معاذ سيدا في قوله: (قوموا إلى سيدكم). أي رئيسكم والمطاع فيكم. وسمي الحسن بن علي: سيدا. في قوله: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).
وقال الزمخشري: السيد الذي يسود قومه أي يفوقها في الشرف. وكان يحيى قائما لقومه، قائما للناس كلهم في أنه لم يرتكب سيئة قط، ويا لها من سيادة؟ انتهى كلامه.
وقال ابن عطية ما ملخصه: خصه الله بذكر السؤدد، وهو الإعتمال في رضا الناس على أشرف الوجوه دون أن يوقع في باطل، وتفضيله: بذل الندى وهو الكرم، وكف الأذى وهي العفة في الفرج واليد واللسان، واحتمال العظائم وهنا هو الحلم من تحمل الغرامات وجبر الكسير والإنقاذ من الهلكات. وقد يوجد من الثقات العلماء من لا يبرز في هذه الخصال، وقد يوجد من يبرز فيها، فيسمى سيدا وإن قصر في مندوب، ومكافحة في حق وقلة مبالاة باللائمة.
وقال ابن عمر: ما رأيت أسود من معاوية؟ قيل له: وأبو بكر وعمر؟ قال: هما خير منه، ومعاوية أسود منهما انتهى كلامه.
وهذه الأقوال التي ذكرت في تفسير السيد كلها يصلح أن يكون تفسيرا في وصف يحيى عليه السلام، وأحق الناس بصفات الكمال هم النبيون.
وفي قوله: وسيدا، دلالة على إطلاق هذا الاسم على من فيه سيادة، وهو من أوصاف المدح. ولا يقال ذلك للظالم والمنافق والكافر.
وورد النهي: (لا تقولوا للمنافق سيدا)، وما جاء من قوله * (أطعنا سادتنا) * فعلى ما في اعتقادهم وزعمهم.
قيل: وما جاء في حديث وفد بني عامر من قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم): أنت سيدنا وذو الطول علينا، فقال صلى الله عليه وسلم): (السيد هو الله، تكلموا بكلامكم)، فمحمول على أنه رآهم متكلفين لذلك، أو كان ذلك قبل أن يعلم أنه سيد البشر، وقد سمى هو الحسن بن علي سيدا، وكذلك سعد بن معاذ، وعمرو بن الجموح.
* (وحصورا) * هو الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وابن جبير، وقتادة، وعطاء، وأبو الشعثاء، والحسن، والسدي، وابن زيد، قال الشاعر:
* وحصورا لا يريد نكاحا * لا ولا يبتغي النساء الصباحا * وقد روي أنه تزوج مع ذلك ليكون أغض لبصره وقيل: الحاضر نفسه عن الشهوات وقيل: عن معاصي
(٤٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 ... » »»