الشهادة، لأن شهادة امرأة نصف شهادة، فإذا شهدتا صار مجموع شهادتها كشهادة ذكر، فقال الزمخشري: من بدع التفاسير.
وقال ابن عطية: هذا تأويل بعيد غير صحيح، ولا يحسن في مقابله الضلال إلا الذكر. انتهى.
وما قالاه صحيح، وينبو عنه اللفظ من جهة اللغة ومن جهة المعنى، أما من جهة اللغة فإن المحفوظ أن هذا الفعل لا يتعدى، تقول: أذكرت المرأة فهي مذكر إذا ولدت الذكور، وأما: أذكرت المرأة، أي: صيرتها كالذكر، فغير محفوظ. وأما من جهة المعنى، فإن لو سلم أن: أذكر، بمعنى صيرها ذكرا فلا يصح، لأن التصيير ذكرا شامل للمرأتين، إذ ترك شهادتهما بمنزلة شهادة ذكر فليست إحداهما أذكرت الأخرى على هذا التأويل، إذ لم تصير شهادتهما وحدها بمنزلة شهادة ذكر.
ولما أبهم الفاعل في: أن تضل، بقوله: إحداهما، أبهم الفاعل في: فتذكر، بقوله: إحداهما، إذ كل من المرأتين يجوز عليها الضلال، والإذكار، فلم يرد: بإحداهما، معينة. والمعنى: إن ضلت هذه أذكرتها هذه، وإن ضلت هذه أذكرتها هذه، فدخل الكلام معنى العموم، وكأنه قيل: من ضل منهما أذكرتها الأخرى، ولو لم يذكر بعد: فتذكر، الفاعل مظهرا للزم أن يكون أضمر المفعول ليكون عائدا على إحداهما الفاعل بتضل، ويتعين أن يكون: الأخرى، هو الفاعل، فكان يكون التركيب: فتذكرها الأخرى. وأما على التركيب القرآني فالمتبادر إلى الذهن أن: إحداهما، فاعل تذكر، والأخرى هو المفعول، ويراد به الضالة، لأن كلا من الإسمين مقصور، فالسابق هو الفاعل، ويجوز أن يكون: إحداهما، مفعولا، والفاعل هو الأخرى لزوال اللبس، إذ معلوم أن المذكرة ليست الناسية، فجاز أن يتقدم المفعول ويتأخر الفاعل، فيكون نحو: كسر العصا موسى، وعلى هذا الوجه يكون قد وضع الظاهر موضع المضمر المفعول، فيتعين إذ ذاك أن يكون الفاعل هو: الأخرى، ومن قرأ: أن، بفتح الهمزة و: فتذكر، بالرفع على الاستئناف، قيل: وقال: إن تضل إحداهما، المعنى: أن النسيان غالب على طباع النساء لكثرة البرد والرطوبة، واجتماع المرأتين على النسيان أبعد في العقل من صدور النسيان عن المرأة الواحدة، فأقيمت المرأتان مقام الرجل، حتى إن إحداهما لو نسيت ذكرتها الأخرى، وفيه دلالة على تفضيل الرجل على المرأة.
و: تذكر، يتعدى لمفعولين، والثاني محذوف، أي: فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة، وفي قوله * (فتذكر إحداهما الاخرى) * دلالة على أن من شرط جواز إقامة الشهادة ذكر الشاهد لها، وأنه لا يجوز الاقتصار فيها على الخط، إذ الخط والكتابة مأمور ربه لتذكر الشهادة، ويدل عليه قوله: * (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) * وإذا لم يذكرها فهو غير عالم بها.
وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، والشافعي: إذا كتب خطه بالشهادة فلا يشهد حتى يذكرها، وقال محمد بن أبي ليلى، إذا عرف خطه وسعه أن يشهد عليها. وقال الثوري: إذا ذكر أنه شهد، ولا يذكر عدد الدراهم، فإنه لا يشهد.
* (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * قال قتادة: سبب نزولها أن الرجل كان يطوف في الحراء العظيم، فيه القوم، فلا يتبعه منهم أحد، فأنزلها الله.
وظاهر الآية: أن المعنى: ولا يأب الشهداء من تحمل الشهادة إذا ما دعوا لها، قاله ابن عباس، وقتادة، والربيع وغيرهم. وهذا النهي ليس نهي تحريم، فله أن يشهد، وله أن لا يشهد. قاله عطاء، والحسن وقال الشعبي: إن لم يوجد غيره تعين عليه أن يشهد، وإن وجد فهو مخير، وقيل: المعنى: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا لأداء الشهادة إذا كانوا قد شهدوا قبل ذلك، قاله مجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، وإبراهيم، ولاحق بن حميد، وابن زيد. وروى النقاش: هكذا فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولو صح هذا