إن كان عندك من يخرج شهادتهم فأت به، وإلا أجزنا شهادتهم عليك. وقال الشافعي: يسأل عنه في السر، فإذا عدل سأل عن تعديله في العلانية.
وأما ما ذكر من اعتبار نفي التهمة عن الشاهد إذا كان عدلا، فاتفق فقهاء الأمصار على بطلان شهادة الشاهد لولده ووالده إلا ما حكي عن البتي، قال: تجوز شهادة الولد لوالديه، والأب لابنه وامرأته، وعن إياس بن معاوية أنه أجاز شهادة رجل لابنه. وذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، ومالك، والأوزاعي، والليث إلى أنه: لا يجوز شهادة أحد الزوجين للآخر. وعن أبي حنيفة: لا تجوز شهادة الأجير الخاص لمستأجره، وتجوز شهادة الأجير المشترك له. وقال مالك: لا تجوز شهادة أجير لمن استأجره إلا أن يكون مبرزا في العدالة. وقال الأوزاعي: لا تجوز مطلقا. وقال الثوري: تجوز إذا كان لا يجر إلى نفسه منفعة.
ومن وردت شهادته لمعنى، ثم زال ذلك المعنى، فهل تقبل تلك المشهادة فيه؟
قال أبو حنيفة، وأصحابه: لا تقبل إذا ردت لفسق أو زوجية، وتقبل إذا ردت لرق أو كفر أو صبي. وقال مالك: لا تقبل إن ردت لرق أو صبي. وروي عن عثمان بن عفان مثل هذا.
وظاهر الآية: أن الشهود في الديون رجلان، أو رجل وامرأتان، ممن ترضون، فلا يقضي بشاهد واحد ويمين، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وابن شبرمة، والثوري والحكم، والأوزاعي. وبه قال عطاء، وقال: أول من قضى به عبد الملك ابن مروان، وقال الحكم: أول من حكم به معاوية.
واختلف عن الزهري، فقيل، قال: هذا شيءأحدثه الناس لا بد من شهيدين، وقال أيضا: ما أعرفه، وإنها البدعة، وأول من قضاه معاوية، وروي عنه أنه أول ما ولي القضاء حكم بشاهد ويمين وقال مالك، والشافعي وأتباعهما، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد: يحكم به في الأموال خاصة، وعليه الخلفاء الأربعة وهو عمل أهل المدينة، وهو قول أبي بن كعب، ومعاوية، وأبي سلمة، وأبي الزياد، وربيعة.
* (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى) * قرأ الأعمش، وحزة: إن تضل بكسر الهمزة، جعلها حرف شرط فتذكر، بالتشديد ورفع الراء وجعله جواب الشرط.
وقرأ الباقون بفتح همزة: أن، وهي الناصبة، وفتح راء فتذكر عطفا على: أن تضل وسكن الذال وخفف الكاف ابن كثير، وأبو عمرو. وفتح الذال، وشدد الكاف الباقون من السبعة.
وقرأ الجحدري وعيسى بن عمران: تضل، بضم التاء وفتح الضاد مبنيا للمفعول، بمعنى: تنسى، كذا حكى عنهما الداني. وحكى النقاش عن الجحدري: أن تضل، بضم التاء وكسر الضاد، بمعنى أن تضل الشهادة، تقول: أضللت الفرس والبعير إذا ذهبا فلم تجدهما.
وقرأ حميد بن عبد الرحمن، ومجاهد: فتذكر، بتخفيف الكاف المكسورة، ورفع الراء، أي فهي: تذكر وقرأ زيد بن أسلم: فتذاكر، من الذاكرة.
والجملة الشرطية من قوله * (أن تضل إحداهما فتذكر) * على قراءة الأعمش وحمزة قال ابن عطية: في موضع رفع بكونه صفة للمذكر، وهما المرأتان. انتهى. كان قد قدم أن قوله * (ممن ترضون من الشهداء) * في موضع الصفة لقوله * (فرجل وامرأتان) * فصار نظير: جاءني رجل وامرأتان عقلاء حبليان، وفي جواز مثل هذا التركيب نظر، بل الذي تقتضيه الأقيسة تقديم حبليان على عقلاء، وأما على قول من أعرب: ممن ترضون، بدلا من: رجالكم، وعلى ما اخترناه من تعلقه بقوله: واستشهدوا، فلا يجوز أن تكون جملة الشرط صفة لقوله: وامرأتان، للفصل بين الموصوف والصفة بأجنبي، وأما: أن تضل، بفتح الهمزة، فهو في موضع المفعول من أجله، أي لأن تضل على تنزيل السبب، وهو الإضلال منزلة المسبب عنه، وهو الإذكار، كما ينزل المسبب منزلة السبب لالتباسهما واتصالهما، فهو كلام محمول على المعنى، أي: لأن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت، ونظيره: أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه، وأعددت السلاح أن يطرق العدو فأدفعه، ليس إعداد الخشبة لأجل الميل إنما إعدادها لإدعام الحائط إذا مال، ولا يجوز أن يكون التقدير: مخالفة أن تضل، لأجل عطف فتذكر عليه.
وقال النحاس: سمعت علي بن سليمان يحكي عن أبي العباس أن التقدير: كراهة أن تضل، قال أبو جعفر: وهذا غلط، إذ يصير المعنى كراهة أن تذكر. ومعنى الضلال هنا هو عدم الاهتداء للشهادة لنسيان أو غفلة، ولذلك قوبل بقوله: فتذكر، وهو من الذكر، وأما ما روي عن أبي عمرو بن العلاء، وسفيان بن عيينة من أن قراءة التخفيف، فتذكر، معناه: تصيرها ذكرا في