لا يجر بشهادته منفعة لنفسه، ولا يدفع بها عن نفسه مضرة، ولا يكون معروفا بكثرة الغلط، ولا بترك المروءة، ولا يكون بينه وبين من يشهد عليه عداوة.
وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف: أن من سلم من الفواحش التي يجب فيها الحدود، وما يجب فيها من العظائم، وأدى الفرائض وأخلاق البر فيه أكثر من المعاصي الصغار، قبلت شهادته، لأنه لا يسلم عبد من ذنب، ولا تقبل شهادة من ذنوبه أكثر من أخلاق البر، ولا من يلعب بالشطرنج يقامر عليها، ولا من يلعب بالحمام ويطيرها، ولا تارك الصلوات الخمس في جماعة استخفافا أو مجانة أو فسقا، لا أن تركها على تأويل، وكان عدلا، ومن يكثر الحلف بالكذب، ولا مداوم على ترك ركعتي الفجر، ولا معروف بالكذب الفاحش، ولا مظهر شتيمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولا شتام الناغس والجيران، ولا من اتهمه الناس بالفسق والفجور، ولا متهم بسب الصحابة حتى يقولوا: سمعناه يشتم.
وقال ابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، وأبو يوسف: تقبل شهادة أهل الأهواء العدول، إلا صنفا من الرافضة وهم الخطابية. وقال محمد: لا أقبل شهادة الخوارج، وأقبل شهادة الحرورية، لأنهم لا يستحلون أموالنا، فإذا خرجوا استحلوا. وروي عن أبي حنيفة أنه: لا يجوز شهادة البخيل. وعن إياس بن معاوية لا يجيز شهادة الأشراف بالعراق ولا البخلاء، ولا التجار الذين يركبون البحر، وعن بلال بن أبي بردة، وكان على البصرة، أنه لا يجيز شهادة من يأكل الطين وينتف لحيته. ورد عمر بن عبد العزير شهادة من ينتف عنفقته ويخفي لحيته. ورد شريح شهادة رجل اسمه ربيعة ويلقب بالكويفر، فدعي: يا ربيعة، فلم يجب، فدعي: يا ربيعة الكويفر، فأجاب، فقال له شريح: دعيت باسمك فلم تجب، فلما دعيت بالكفر أجبت فقال: أصلحك الله إنما هو لقب. فقال له: قم، وقال لصاحبه: هات غيره. وعن أبي هريرة: لا يجوز شهادة أصحاب الحمر، يعني: النخاسين. وعن شريح: لا يجيز شهادة صاحب حمام، ولا حمال، ولا ضيق كم القباء، ولا من قال: أشهد بشهادة الله عز وجل، وعن محمد: لا تقبل شهادة من ظهرت منه مجانة، ولا شهادة مخنث، ولا لاعب بالحمام يطيرهن، ورد ابن أبي ليلى شهادة الفقير، وقال: لا يؤمن أن يحمله فقره على الرغبة في المال.
وقال مالك: لا تجوز شهادة السؤال في الشيء الكثير، وتجوز في الشيء التافه. وعن الشافعي: إذا كان الأغلب من حاله المعصية وعدم المروءة ردت شهادته، وعنه: إذا كان أكثر أمره الطاعة، ولم يقدم على كبيرة، فهو عدل، وينبغي أن تفسر المروءة بالتصاون، والسمت الحسن، وحفظ الحرمة، وتجنب السخف، والمجون، لا تفسر بنظافة الثوب، وفراهة المركوب، وجودة الآلة، والشارة الحسنة. لأن هذه ليست من شرائط الشهادة عند أحد من المسلمين.
واختلفوا في حكم من لم تظهر منه ريبة، هل يسأل عنه الحاكم إذا شهد؟ ففي كتاب عمر لأبي موسى: والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا أو قرابة. وكان الحسن، لما ولي القضاء، يجيز شهادة المسلمين إلا أن يكون الخصم يجرح الشاهد. وقال ابن شبرمة: إن طعن المشهود عليه فيهم سألت عنهم في السر والعلانية. وقال محمد، وأبو يوسف: يسأل عنهم، وإن لم يطعن فيهم في السر والعلانية، وقال مالك: لا يقضي بشهادة الشهود حتى يسأل عنهم في السر. وقال الليث: إنما كان الوالي يقول للخصم