تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٢
دلالة على أنه لا يستشهد الكافر، ولم تتعرض الآية لشهادة الكفار بعضهم على بعض، وأجاز ذلك أبو حنيفة. وإن اختلفت مللهم، وفي ذلك دلالة على اشتراط البلوغ، واشتراط الذكورة في الشاهدين.
وظاهر الآية أنه: يجوز شهادة العبد، وهو مذهب شريح، وابن سيرين، وابن شبرمة، وعثمان البتي، وقيل عنه: يجوز شهادته لغير سيده. وروي عن علي أنه كان يقول: شهادة العبد على العبد جارية جائزة. وروي المغيرة عن إبراهيم أنه كان يجيز شهادة المملوك في الشيء التافه. وروي عن أنس أنه قال: ما أعلم أن أحدا رد شهادة العبد. وقال الجمهور: أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، وابن شبرمة في إحدى الروايتين، ومالك، وابن صالح، وابن أبي ليلى، والشافعي: لا تقبل شهادة العبد في شيء. وروي ذلك عن علي، وابن عباس، والحسن.
وظاهر الآية يدل على أن شهادة الصبيان لا تعتبر، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه الثلاثة، وابن شبرمة، والشافعي. وروي ذلك عن: عثمان، وابن عباس، وابن الزبير. وقال ابن أبي ليلى: تجوز شهادة بعضهم على بعض، وروي ذلك عن علي، قال مالك: تجوز شهادتهم في الجراح وحدها بشروط ذكرت عنه في كتب الفقه.
وظاهر الآية اشتراط الرجولية فقط في الشاهدين.
فلو كان الشاهد أعمى، ففي جواز شهادته خلاف. ذهب أبو حنيفة، ومحمد إلى أنه لا يجوز بحال. وروي ذلك عن علي، والحسن، وابن جبير، وإياس ابن معاوية. وقال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف، والشافعي: إذا علم قبل العمى جازت، أو بعده فلا. وقال زفر: لا يجوز إلا في النسب يشهد أن فلان، وقال شريح والشعبي شهادته جائزة، وقال مالك يجوز وإن علمه حال العمى إذا عرف الصوت في الطلاق والإقرار ونحوه، وإن شهد بزنا أو حد قذف لم تقبل شهادته.
ولو كان الشاهد أخرس، فقيل: تقبل شهادته بإشارة، وسواء كان طارئا أم أصليا، وقيل: لا تقبل.
وإن كان أصم، فلا تقبل في الأقوال، وتقبل فيما عدا ذلك من الحواس.
ولو شهد بدوي على قروي، فروى ابن وهب عن مالك أنها لا تجوز إلا في الجراح. وروى ابن القاسم عنه: لا تجوز في الحضر إلا في وصية القروي في السفر في البيع.
* (فإن لم يكونا رجلين) * الضمير عائد على الشهيدين أي: فإن لم يكن الشهيدان رجلين، والمعنى أنه: إن أغفل ذلك صاحب الحق، أو قصد أن لا يشهد رجلين لغرض له، وكان على هذا التقدير ناقصة. وقال قوم: بل المعنى: فإن لم يوجد رجلان، ولا يجوز استشهاد المرأتين إلا مع عدم الرجال، وهذا لا يتم إلا على اعتقاد أن الضمير في: يكونا، عائد على: شهيدين، بوصف الرجولية، وتكون: كان، تامة، ويكون: رجلين، منصوبا على الحال المؤكد، كقوله: * (فإن كانتا اثنتين) * على أحسن الوجهين.
* (فرجل وامرأتان) * ارتفاع رجل على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: فالشاهد، أو مبتدأ محذوف الخبر، أي: فرجل وامرأتان يشهدون، أو: فاعل، أي فليشهد رجل، أو: مفعول لم يسم فاعله، أي فليستشهد، وقيل: المحذوف فليكن، وجوز أن تكون تامة، فيكون رجل فاعلا، وأن تكون ناقصة، ويكون خبرها محذوفا وقد ذكرنا أن أصحابنا لا يجيزون حذف خبر كان لا اقتصارا ولا اختصارا. وقرئ شاذا: وامرأتان، بهمزة
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»