تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٣
العلم. إنتهى.
وقراءة الحسن تقوي قراءة الجمهور بالقصر. وقال ابن عطية: هي عندي من الإذن، وإذا أذن المرء في شيء فقد قرره وبني مع نفسه عليه، فكأنه قيل لهم: قرروا الحرب بينكم وبين الله ورسوله.
ويلزمهم من لفظ الآية أنهم مستدعو الحرب والباغون، إذ هم الآذنون فيها، وبها، ويندرج في هذا علمهم بأنه حرب الله، وتيقنهم لذلك. إنتهى كلامه. فيظهر منه ان الباء في: * (بحرب) * ظرفية. أي: فاذنوا في حرب، كما تقول أذن في كذا، ومعناه أنه سوغه ومكن منه.
قال أبو علي: ومن قرأ فآذنوا بالمد، فتقديره: فأعلموا من لم بنته عن ذلك بحرب، والمفعول محذوف، وقد ثبت هذا المعفول في قوله تعالى: * (فقل ءاذنتكم على سواء) * وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة، قال: ففي إعلامهم علمهم، وليس في علمهم إعلامهم غيرهم.
فقراءة المد أرجح، لأنها أبلغ وآكد.
وقال الطبري: قراءة القصر أرجح لأنها تختص بهم، وإنما أمروا على قراءة المد بإعلام غيرهم، وقال ابن عطية: والقراءتان عندي سواء، لأن المخاطب محصور، لأنه كل من لم يذر ما بقي من الربا، فإن قيل: فآذنوا، فقد عمهم الأمر. وإن قيل: فآذنوا، بالمد فالمعنى: أنفسكم، أو: بعضكم بعضا. وكأن هذه القراءة تقتضي فسحا لهم في الارتياء والتثبت، فأعلموا نفوسكم هذا، ثم انظروا في الأرجح لكم: ترك الربا أو الحرب إنتهى.
وروي: أنها لما نزلت قالت ثقيف: لا يدلنا بحرب الله ورسوله.
ومن، في قوله: من الله، لابتداء الغاية، وفيه تهويل عظيم، إذا الحرب من الله تعالى ومن نبيه صلى الله عليه وسلم) لا يطيقه أحد، ويحتمل أن تكون للتبعيض على حذف مضاف، أي: من حروب الله.
قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل بحرب الله ورسوله؟ قلت: كان هذا أبلغ لأن المعنى: فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله ورسوله. إنتهى. وإنما كان أبلغ لأن فيها نصا بأن الحرب من الله لهم، فالله تعالى هو الذي يحاربهم، ولو قيل: بحرب الله، لاحتمل أن تكون الحرب مضافة للفاعل، فيكون الله هو المحارب لهم، وأن تكون مضافة للمفعول، فيكونوا هم المحاربين الله. فكون الله محاربهم أبلغ وأزجر في الموعظة من كونهم محاربين الله.
* (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب) * أي: إن تبتم من الربا ورؤوس الأموال: أصولها، وأما الأرباح فزوائد وطوارىء عليها. قال بعضهم: إن لم يتوبوا كفروا برد حكم الله واستحلال ما حرم الله، فيصير مالهم فيئا للمسلمين، وفي الاقتصار على رؤوس الأموال مع ما قبله دليل واضح على أنه ليس لهم إلا ذلك، ومفهوم الشرط أنه: إن لم يتوبوا فليس لهم رؤوس أموالهم، وتسمية أصل المال رأسا مجاز.
* (لا تظلمون ولا تظلمون) * قرأ الجمهر الأول مبنيا للفاعل، والثاني مبنيا للمفعول، أي: لا تظلمون الغريم بطلب زيادة على رأس المال، ولا تظلمون أنتم بنقصان رأس المال، وقيل: بالمطل. وقرأ أبان، والمفضل، عن عاصم الأول مبنيا للمفعول، والثاني مبينا للفاعل ورجح أبو علي قراءة الجماعة بأنها تناسب قوله: وإن تبتم، في إسناد الفعلين إلى الفاعل، فتظلمون بفتح التاء أشكل بما قبله.
والجملة يظهر أنها مستأنفة وإخبار منه تعالى أنهم إذا اقتصروا على رؤوس الأموال كان ذلك نصفة، وقيل: الجملة حال من المجرور في: لكم، والعامل في الحال ما في حرف الجر من شوب الفعل، قاله الأخفش
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»