تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٤٦
أي: أعطيت من أردت بلا تمييز كرما.
سلف: مضى وانقضى، ومنه سالف الدهر أي ماضيه.
عاد عودا: رجع، وذكر بعضهم أنها تكون بمعنى صار، وأنشد:
* تعد فيكم جزر الجزور رماحنا * ويرجعن بالأسياف منكسرات * المحق: نقصان الشيء حالا بعد حال. ومنه: المحاق في الهلال، يقال: محقه الله فانمحق وامتحق أنشد الليث:
* يزداد حتى إذا ما تم أعقبه * كر الجديدين نقصا ثم ينمحق * * (الذين يأكلون الربواا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس) * مناسبة هذه الآية لما قبلها أن ما قبلها وارد في تفضيل الإنفاق والصدقة في سبيل الله، وأنه يكون ذلك من طيب ما كسب، ولا يكون من الخبيث. فذكر نوع غالب عليهم في الجاهلية، وهو: خبيث، وهو: الربا، حتى يمتنع من الصدقة بما كان من ربا، وأيضا فتظهر مناسبة أخرى، وذلك أن الصدقات فيها نقصان مال، والربا فيه زيادة مال، فاستطرد من المأمور به إلى ذكر المنهي عنه لما بينهما من مناسبة ذكر التضاد، وأبدى لأكل الربا صورة تستبشعها العرب على عادتها في ذكر ما استغربته واستوحشت منه، كقوله: * (طلعها كأنه * رءوس * الشياطين) * وقول الشاعر:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال وقل الآخر:
خيلا كأمثال السعالي شربا وقل الآخر:
بخيل عليها جنة عبقرية والأكل هنا قيل على ظاهره من خصوص الأكل، وأن الخبر: عنهم، مختص بالآكل الربى، وقيل: عبر عن معاملة الربا وأخذه بالأكل، لأن الأكل غالب ما ينتفع به فيه، كما قال تعالى: * (وأخذهم الربا) * وقيل: الربا هنا كناية عن الحرام، لا يخص الربا الذي في الجاهلية، ولا الربا الشرعي. وفرأ العدوي: الربو، بالواو وقيل: وهي لغة الحيرة، ولذلك كتبها أهل الحجاز بالواو لأنهم تعلموا الخط من أهل الحيرة، وهذه القراءة على لغة من وقف على أفعى بالواو، فقال: هذه أفعو، فأجرى هذا القارئ الوصل إجراء الوقف.
وحكى أبو زيد: أن بعضهم قرأ بكسر الراء وضم الباء وواو ساكنة، وهي قراءة بعيدة، لأن لا يوجد في لسان العرب اسم آخره واو قبلها ضمة، بل متى أدى التصريف إلى ذلك قلبت تلك الواو ياء وتلك الضمة كسرة، وقد أولت هذه القراءة على أنها على لغة من قال: في أفعى: أفعو، في الوقف. وأن القارئ إما أنه لم يضبط حركة الباء، أو سمى قربها من الضمة ضما.
و: لا يقومون، خبر عن: الذين، ووقع في بعض التصانيف أنها جملة
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»