تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٤٤
مسألة خلاف وتفصيل مذكور في علم النحو.
وجوزوا في إعراب: إلحافا أن يكون مفعولا من أجله، وأن يكون مصدرا لفعل محذوف دل عليه: يسألون، فكأنه قال: لا يلحفون. وأن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره: لا يسألون ملحفين.
* (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) * تقدم: * (وما تنفقوا من خير فلانفسكم) * * (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) * وليس على سبيل التكرار، والتأكيد بل كل منهما مقيد بغير قيد الآخر فالأول: ذكر أن الخير الذي يعلمه مع غيره إنما هو لنفسه، وأنه عائد إليه جزاؤه، والثاني: ذكر أن ذلك الجزاء الناشئ عن الخير يوفاه كاملا من غير نقص ولا بخس، والثالث: ذكر أنه تعالى عليم بما ينفقه الإنسان من الخير، ومقداره، وكيفية جهاته المؤثرة في ترتب الثواب، فأتى بالوصف المطلع على ذلك وهو: العلم.
2 (* (الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *)) 2 * (الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية) * قال أبو ذر، وأبو الدرداء، وابن عباس، وأبو أمامة، وعبد الله بن بشر الغافقي، ومكحول، ورباح بن بريد، والأوزاعي: هي في علف الخيل المرتبطة في سبيل الله، ومرتبطها. وكان أبو هريرة إذا مر بفرس سمين قرأ هذه الآية.
وقال ابن عباس أيضا، والكلبي: نزلت في علي، كانت عنده أربعة دراهم، قال الكلبيب، لم يملك غيرها، فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا وبدرهم سرا، بدرهم علانية.
وقال ابن عباس أيضا: نزلت في علي بعث بوسق تمر إلى أهل الصفة ليلا، وفي عبد الرحمن بن عوف بعث إليهم بدراهم كثيرة نهارا.
وقال قتادة: نزلت في المنفقين من غير تبذير ولا تقتير. إنتهى. وقيل: نزلت في أبي بكرب، تصدق بأربعين ألف دينار: عشرة بالليل، وعشرة بالأنهار وعشرة في السر، وعشرة في الجهر.
والآية، وإن نزلت على سبب خاص، فهي عامة في جميع ما دلت عليه ألفاظ الآية، والمعنى أنهم فيما قال الزمخشري: يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير، فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها، ولم يؤخروه، ولم يتعللوا بوقت ولا حال. إنتهى.
ولم يبين في هذه الآية أفضلية الصدقة في أحد الزمانين، ولا في إحدى الحالتين اعتمادا على الآية قبلها، وهي: * (إن تبدوا الصدقات) * أو جاء تفصيلا على حسب الواقع من صداقة أبي بكر، وصدقة علي، وقد يقال: إن تقديم الليل على النهار، والسر على العلانية يدل على تلك الأفضلية، والليل مظنة صدقة السر، فقدم الوقت الذي كانت الصدقة فيه أفضل، والحال التي كانت فيها أفضل.
والباء في: بالليل، ظرفية، وانتصاب: سرا وعلانية، على أنهما مصدران في موضع الحال أي: مسرين ومعلنين، أو: على أنهما حالان من ضمير الإنفاق على مذهب سيبوية، أو: نعتان لمصدر محذوف أي: إنفاقا سرا، على مشهور الإغراب في: قمت طويلا، أي قياما طويلا.
* (فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * تقدم تفسير بهذا فلا نعيده، ودخلت: الفاء في فلهم، لتضمن الموصول معنى اسم الشرط لعمومه.
قال ابن عطية: وإنما يوجد الشبه، يعنى بين الموصول واسم الشرط، إذا كان: الذي، موصولا بفعل، وإذا لم يدخل على: الذي، عامل يغير معناه. إنتهى. فحصر الشبه فيما إذا كان: الذي، موصولا بفعل
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»