يكون أثر السجود في هؤلاء أكثر، وأما من فسر السيما بالخشوع، فالخشوع محله القلب، ويشترك فيه الغني والفقير، والذي يفرق بين الغني والفقير ظاهرا إنما هو: رثاثة الحال، وشحوب الألوان. وللصوفية في تفسير السيما مقالات. قال المرتعش: عزتهم على الفقر، وقال الثوري: فرحهم بالفقر، وقال أبو عثمان: إيثار ما عندهم مع الحاجة، إليه وقيل: تيههم على الغني، وقيل: طيب القلب وبشاشة الوجه.
والباء متعلقة: بتعرفهم، وهي للسبب، وجوزوا في هذه الجملة ما جوزوا في الجمل قبلها، من الحالية، ومن الاستئناف.
وفي هذه الآية طباق في موضعين: أحدهما: في قوله: أحصروا وضربا في الأرض، والثاني: في قوله: للفقراء وأغنياء.
* (لا يستطيعون ضربا فى) * إذا نفي حكم عن محكوم عليه بقيد، فالأكثر في لسان العرب انصراف النفي لذلك القيد، فيكون المعنى على هذا ثبوت سؤالهم، ونفي الإلحاح أي: وإن وقع منهم سؤال، فإنما يكون بتلطف وتستر لا بإلحاح، ويجوز أن ينفي ذلك الحكم فينتفي ذلك القيد، فيكون على هذا نفي السؤال ونفي الإلحاح، فلا يكون النفي على هذا منصبا على القيد فقط.
قال ابن عباس: لا يسألون إلحافا ولا غير إلحاف، ونظير هذا: ما تأتينا فتحدثنا. فعلى الوجه الأول: ما تأتينا محدثا، إنما تأتي ولا تحدث، وعلى الوجه الثاني: ما يكون منك إتيان فلا يكون حديث، وكذلك هذا لا يقع منهم سؤال البتة فلا يقع إلحاح. ونبه على نفي الإلحاح دون غير الإلحاح لقبح هذا الوصف، ولا يراد به نفي هذا الوصف وحده ووجود غيره، لأنه كان يصير المعنى الأول وإنما يراد بنفي مثل هذا الوصف نفي المترتبات على المنفي الأول لأنه نفى الأول على سبيل العموم، فتنفى مترتباته، كما أنك إذا نفيت الإتيان فانتفى الحديث، انتفت جميع مترتبات الإتيان من: المجالسة والمشاهدة والكينونة في محل واحد، ولكنه نبه بذكر مترتب واحد لغرض ما عن سائر المترتبات، وتشبيه الزجاج هذا المعنى في الآية، بقول الشاعر:
على لاحب لا يهتدى بمناره إنما هو مطلق انتفاء الشيئين، أي لا سؤال ولا إلحاف. وكذلك: هذا لا منار ولا هداية، لا أنه مثله في خصوصية النفي، إذ كان يلزم أن يكون المعنى: لا إلحاف، فلا سؤال، وليس تركيب الآية على هذا المعنى، ولا يصح: لا إلحاف فلا سؤال، لأنه لا يلزم من نفي الخاص نفي العام، كما لزم من نفي المنار نفي الهداية التي هي من بعض لوازمه، وإنما يؤدي معنى النفي على طريقة النفي في البيت أن لو كان التركيب: لا يلحفون الناس سؤالا، لأنه يلزم من نفي السؤال نفي الإلحاف، إذ نفي العام يدل على نفي الخاص، فتلخص من هذا كله: أن نفي الشيئين تارة يدخل حرف النفي على شيء فتنتفي جميع عوارضه، ونبه على بعضها بالذكر لغرض ما، وتراه يدخل حرف النفي على عارض من عوارضه، والمقصود نفيه، فينتفي لنفيه عوارضه.
وقال ابن عطية: تشبيهه، يعني الزجاج، الآية ببيت امرئ القيس غير صحيح، ثم بين أن انتفاء صحة التشبيه من جهة أنه ليس مثله في خصوصية النفي، لأن انتفاء المنار في البيت يدل على انتفاء الهداية، وليس انتفاء الإلحاح يدل على انتفاء السؤال، وأطال ابن عطية في تقرير هذا، وقد بينا أن تشبيه الزجاج إنما هو في مطلق انتفاء الشيئين، وقررنا ذلك.
وقيل: معنى إلحافا أنه السؤال الذي يستخرج به المال لكثرة تلطفه، أي: لا يسألون الناس بالرفق والتلطف، وإذا لم يوجد هذا، فلأن لا يوجد بطريق العنف أولى، وقيل: معنى إلحافا أنهم يلحفون على أنفسهم في ترك السؤال، أي: لا يسألون لإلحاحهم على أنفسهم في: تركهم، السؤال، ومنعهم ذلك بالتكليف الشديد، وقيل: من سأل، فلا بد أن يلح، فنفي الإلحاح عنهم مطلقا موجب لنفي السؤال مطلقا. وقيل: هو كناية عن عدم إظهار آثار الفقر، والمعنى: أنهم لا يضمون إلى السكون من رثاثة الحال والانكسار، وما يقوم مقام السؤال الملح، ويحتمل أن تكون هذه الجملة حالا، وأن تكون مستأنفة. ومن جوز الحال في هذه الجمل وذو الحال واحد، إنما هو على مذهب من يجيز تعدد الحال الذي حال، وهي