تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٠
وكثرة الأرباح في المال الذي خرجت منه الصدقة، وقيل: الزيادة معنوية، وهي تضاعف الحسنات والأجور الحاصلة بالصدقة، كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث.
وقرأ ابن الزبير، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم): يمحق ويربي، من: محق وربى مشددا.
وفي ذكر المحق والإرباء بديع الطباق، وفي ذكر الربا ويربى بديع التجنيس المغاير.
* (والله لا يحب كل كفار أثيم) * فيه تغليط أمر الربا وإيذان أنه من فعل الكفار لا من فعل أهل الإسلام، وأتى بصيغة المبالغة في الكافر والآثم، وإن كان تعالى لا يحب الكافر، تنبيها على عظم أمر الربا ومخالفة الله وقولهم: * (إنما البيع مثل الربواا) * وأنه لا يقول ذلك، ويسوي بين البيع والربا ليستدل به على أكل الربا إلا مبالغ في الكفر، مبالغ في الإثم. وذكر الأثيم على سبيل المبالغة والتوكيد من حيث اختلف اللفظان. وقال ابن فورك: ذكر الأثيم ليزول الاشتراك الذي في: كفار، إذ يقع على الزارع الذي يستر الأرض. إنتهى. وهذا فيه بعد، إطلاق القرآن: الكافر، والكافرون، والكفار، إنما هو على من كفر بالله، وأما إطلاقه على الزارع فبقرينة لفظية، كقوله: * (كمثل غيث أعجب الكفار نباته) *.
وقال ابن فورك: ومعنى الآية: * (والله لا يحب كل كفار أثيم) * محسنا صالحا، بل يريده مسيئا فاجرا، ويحتمل أن يريد: والله لا يحب توفيق الكفار الأثيم.
وقال ابن عطية: وهذه تأويلات مستكرهة: أما الأول فأفرط في تعدية الفعل، وحمله من المعنى ما لا يحتمله لفظه، وأما الثاني فغير صحيح المعنى، بل الله تعالى يحب التوفيق على العموم ويحببه، والمحب في الشاهد يكون منه ميل إلى المحبوب، ولطف به، وحرص على حفظه وتظهر دلائل ذلك، والله تعالى يريد وجود ظهور الكافر على ما هو عليه، وليس له عنده مزية الحب بأفعال تظهر عليه، نحو ما ذكرناه في الشاهد، وتلك المزية موجودة للمؤمن. إنتهى كلامه.
والحب حقيقة، وهو الميل الطبيعي، منتف عن الله تعالى، وابن فورك جعله بمعنى الإرادة، فيكون صفة ذات، وابن عطية جعله بمعنى اللطف وإظهر الدلائل، فيكون صفة فعل وقد تقدم الكلام على ذلك.
(* (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلواة وآتوا الزكواة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربواا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون * واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) *)) ) * * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلواة وآتوا الزكواة لهم أجرهم عند ربهم * ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * مناسبة هذه الآية لما قبلها واضحة، وذلك أنه لما ذكر حال آكل الربا، وحال من عاد بعد مجيء الموعظة، وأنه كافر أثيم، ذكر ضد هؤلاء ليبين فرق ما بين الحالين.
وظاهر الآية العموم، وقال مكي: معناه أن الذين تابوا من أكل الربا وآمنوا ما أنزل عليهم، وانتهوا عما نهوا عنه وعملوا الصالحات. إنتهى. ونص على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وإن كانا مندرجين في عموم الأعمال البدنية والمالية، وألفاظ الآية تقدم تفسيرها.
* (يحزنون يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربواا إن كنتم مؤمنين) * قيل: نزلت في بني عمرو بن عمير من ثقيف، كانت لهم ديون ربا على بني المغيرة من بني مخزوم، وقيل: في
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»