تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٥١
عباس، وقيل: في عثمان، وقال السدي: في عباس، وخالد بن الوليد، وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا، وملخصه أنهم أرادوا أن يتقاضوا رباهم، فنزلت. ولما تقدم قوله: * (فله ما سلف) * وكان المعنى: فله ما سلف قبل التحريم، أي: لا تبعة عليه فيما أخذه قبل التحريم، واحتمل أن يكون قوله: ما سلف، أي: ما تقدم العقد عليه، فلا فرق بين المقبوض منه وبين ما في الذمة، وإنما يمنع إنشاء عقد ربوي بعد التحريم، أزال تعالى هذا الاحتمال بأن أمر بترك ما بقي من الربا في العقود السابقة، قبل التحريم، وأن ما بقي في الذمة من الربا هو كالمنشأ بعد التحريم، وناداهم باسم الإيمان تحريضا لهم على قبول الأمر بترك ما بقي من الربا، وبدأ أولا بالأمر بتقوى الله، إذ هي أصل كل شيء، ثم أمر ثانيا بترك ما بقي من الربا.
وفتحت عين: وذروا، حملا على: دعوا، وفتحت عين: دعوا، حملا على: يدع، وفتحت في يدع، وقياسها الكسر، إذ لامه حرف حلق وقرأ الحسن: ما بقا، بقلب الياء ألفا، وهي لغة لطيء، ولبعض العرب. وقال علقمة بن عبدة التميمي:
* زها الشوق حتى ظل إنسان عينه * يفيض بمغمور من الماء متأق * وروي عنه أيضا أنه قرأ: ما بقي، باسكان الياء وقال الشاعر:
* لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقي * على الأرض قيسي يسوق الأباعرا * وقال جرير:
* هو الخليفة فارضوا ما رضى لكم * ماضي العزيمة ما في حكمه جنف * * (إن كنتم مؤمنين) * تقدم أنهم مؤمنون بخطاب الله تعالى لهم: * (ذلك بأن الذين كفروا) * وجمع بينهما بأنه شرط مجازي على جهة المبالغة، كما تقول لمن تريد إقامة نفسه: إن كنت رجلا فافعل كذا قاله ابن عطية، أو بأن المعنى: إن صح إيمانكم، يعني أن دليل صحة الإيمان وثباثه امتثال ما أمرتم به من ذلك، قاله الزمخشري، وفيه دسيسه اعتزال، لأنه إذا توقفت صحة الإيمان على ترك هذه المعصية فلا يجامعها الصحة مع فعلها، وإذا لم يصح إيمانه لم يكن مؤمنا، وهو قول البعض النحويين، أن: إن، تكون بمعنى: إذ، وهو ضعيف مردود ولا يثبت في اللغة، وقيل: هو شرط يراد به الاستدامة، وقيل: يراد به الكمال، وكأن الإيمان لا يتكامل إذا أصر الإنسان على كبيرة، وإنما يصير مؤمنا بالإطلاق إذا اجتنب الكبائر، هذه وإن كانت الدلائل قد قامت على أن حقيقة الإيمان لا يدخل العمل في مسماها، وقيل: الإيبمان متغاير بحسب متعلقه، فمعنى الأول: * (ذلك بأن الذين كفروا) * بألسنتهم. ومعنى الثاني: * (إن كنتم مؤمنين) * بقلوبكم.
وقيل: يحتمل أن يريد: يا أيها الذي آمنوا بمن قبل، محمد صلى الله عليه وسلم) من الأنبياء، ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بمحمد، إذ لا ينفع الأول إلا بهذا، قاله ابن فورك.
قال ابن عطية: وهو مردود بما روي في سبب الآية. إنتهى. يعني أنها نزلت في عباس، وعثمان، أو في عباس، وخالد، أو فيمن أسلم من ثقيف ولم يكونوا هؤلاء قبل الإيمان آمنوا بأنبياء، وقيل: هو شرط محض في ثقيف على بابه، لأنه كان في أول دخولهم في الإسلام. إنتهى. وعلى هذا ليس بشرط صحيح إلا على تأويل استدامة الإيمان، وذكر ابن عطية: أن أبا السماك، وهو العدوي، قرأ هنا: من
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»