تمنعهم من الاكتساب بالجهاد، وانكار الكفار عليهم إسلامهم يمنعهم من التصرف في التجارة، فبقوا فقراء.
وهذه الجملة المنفية في موضع الحال، أي: أحصروا عاجزين عن التصرف. ويجوز أن تكون مستأنفة، لا موضع لها من الإعراب.
* (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) *. قرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بفتح السين حيث وقع، وهو القياس، لأن ماضيه على فعل بكسر العين. وقرأ باقي السبعة بكسرها، وهو مسموع في ألفاظ، منها: عمد يعمدو يعمد، وقد ذكرها النحويون، والفتح في السين لغة تميم، والكسر لغة الحجاز، والمعنى: أنهم لفرط انقباضهم، وترك المسألة، واعتماد التوكل على الله تعالى، يحسبهم من جهل أحوالهم أغنياء، و: من، سببية، أي الحامل على حسبانهم أغنياء هو تعففهم، لأن عادة من كان غني مال أن يتعفف، ولا يسأل، ويتعلق، يحسبهم وجر المفعول له هناك بحرف السبب، لانخرام شرط من شروط المفعول له من أجله وهو اتحاد الفاعل، لأن فاعل يحسب هو: الجاهل، وفاعل التعفف هو: الفقراء. وهذا الشرط هو على الأصح، ولو لم يكن هذا الشرط منخرما لكان الجر بحرف السبب أحسن في هذا المفعول له، لأنه معرف بالألف واللام، وإذا كان كذلك فالأكثر في لسان العرب أن يدخل عليه حرف السبب، وإن كان يجوز نصبه، لكنه قليل كما أنشدوا.
لا أقعد الجبن عن الهيجاء أي: للجبن، وإنما عرف المفعول له، هنا لأنه سبق منهم التعفف مرارا، فصار معهودا منهم. وقيل: من، لابتداء الغاية، أي من تعففهم ابتدأت محسبتته، لأن الجاهل بهم لا يحسبهم أغنياء غنى تعفف، وإنما يحسبهم أغنياء مال، فمحسبته من التعفف ناشئة، وهذا على أنهم متعففون عفة تامة من المسألة، وهو الذي عليه جمهور المفسرين، وكونها للسبب أظهر، ولا يجوز أن تتعلق: من، بأغنياء، لأن المعنى يصير إلى ضد المقصود، وذلك أن المعنى: حالهم يخفى على الجاهل به، فيظن أنهم أعنياء، وعلى تعليق: من، بأغنياء يصير المعنى: أن الجاهل يظن أنهم أغنياء، ولكن بالتعفف، والغني بالتعفف فقير من المال، وأجاز ابن عطية أن تكون: من، لبيان الجنس، قال: يكون التعفف داخلا في المحسبة، أي: أنهم لا يظهر لهم سؤال، بل هو قليل. وبإجمال فالجاهل بهم مع علمه بفقرهم يحسبهم أغنياء عفة. فمن، لبيان الجنس على هذا التأويل. إنتهى. وليس ما قاله من أن: من، هذه في هذا المعنى لبيان الجنس المصطلح عليه في بيان الجنس، لأن لها إعتبارا عند من قال بهذا المعنى لمن يتقدر بموصول، وما دخلت عليه يحصر خبر مبتدأ محذوف، نحو: * (فاجتنبوا الرجس من الاوثان) * التقدير: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. ولو قلت هنا: * (يحسبهم الجاهل أغنياء الذي هو التعفف، لم يصح هذا التقدير، وكأنه سمى الجهة التي هم أغنياء بها بيان الجنس، أي: بينت بأي جنس وقع غناهم بالتعفف، لا غنى بالمال. فتسمى: من، الداخلة على ما يبين جهة الغنى لبيان الجنس، وليس المصطلح عليه كما قدمناه، وهذا المعنى يؤول إلى أن من سببية، لكنها تتعلق: بأغنياء، لا: بيحسبهم، ويحتمل أن يكون: يحسبهم، جملة حالية، ويحتمل أن يكون مستأنفة.
* (تعرفهم بسيماهم) * الخطاب يحتمل أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، والمعنى: أنك تعرف أعيانهم بالسيما التي تدل عليهم، ويحتمل أن يكون المعنى: تعرف فقرهم بالسيما التي تدل على الفقر، من: رثاثة الأطمار، وشحوب الألوان لأجل الفقر. وقال مجاهد: السيما الخشوع والتواضع، وقال السدي: الفاقة، والجوع في وجوههم، وقلة النعمة. وقال ابن زيد: رثاثة أثوابهم، وصفرة وجوههم. وقيل: أثر السجود، واستحسنه ابن عطية، قال: لأنهم كانوا متفرغين للعبادة، فكان الأغلب عليهم الصلاة.
وقال القرطبي: هذا مشترك بين الصحابة كلهم لقوله تعالى في حقهم: * (سيماهم فى وجوههم من أثر السجود) * إلا إن كان