على هذا للوجوب.
والظاهر من قول البراء بن عازب، والحسن، وقتادة: أنها في التطوع، وهو الذي يدل عليه سبب النزول ندبوا إلى أن لا يتطوعوا إلا بجيد مختار.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه لما ذكر فضل النفقة في سبيل الله وحث عليها، وقبح المنة ونهى عنها، ثم ذكر القصد فيها من الرياء وابتغاء رضا الله، ذكر هنا وصف المنفق من المختار، وسواء كان الأمر للوجوب أو للندب.
والأكثرون على أن: * (طيبات ما كسبتم) * هو الجيد المختار، وأن الخبيث هو الرديء. وقال ابن زيد: من طيبات، أي: الحلال والخبيث الحرام، وقال علي: هو الذهب والفضة. وقال مجاهد: هو أموال التجارة.
قال ابن عطية قوله: * (من طيبات) * يحتمل أن لا يقصد به لا الحل ولا الجيد، لكن يكون المعنى كأنه قال: أنفقوا مما كسبتم، فهو حض على الإنفاق فقط، ثم دخل ذكر الطيب تبيينا لصفة حسنه في المكسوب عاما، وتقريرا للنعمة. كما تقول: أطعمت فلانا من مشبع الخبز، وسقيته من مروي الماء، والطيب على هذه الجهة يعم الجودة، والحل، ويؤيد هذا الاحتمال أن عبد الله بن مغفل قال: ليس في مال المؤمن من خبيث. إنتهى كلامه.
وظاهر قوله: * (ما كسبتم) * عموم كل ما حصل بكسب من الإنسان المنفق، وسعاية وتحصيل بتعب ببدن، أو بمقاولة في تجارة. وقيل: هو ما استقر عليه الملك من حادث أو قديم، فيدخل فيه المال الموروث لأنه مكسوب للموروث عنه.
الضمير في كسبتم إنما هو لنوع الإنسان أو المؤمنين، وهو الظاهر.
وقال الراغب: تخصيص المكتسب دون الموروث لأن الإنسان بما يكتسبه أضن به مما يرثه، فاذن الموروث معقول من فحواه. إنتهى. وهو حسن.
و: من، للتبعيض، وهي في موضع المفعول، و: ما، في * (ما كسبتم) * موصولة والعائد محذوف، وجوز أن تكون مصدرية، فيحتاج أن يكون المصدر مؤولا بالمفعول، تقديره: من طيبات كسبكم، أي: مكسوبكم.
وظاهر الآية يدل على أن الأمر بالإنفاق عام في جميع أصناف الأموال الطيبة، مجمل في المقدار الواجب فيها، مفتقر إلى البيان بذكر المقادير، فيصح الإحتجاج بها في إيجاب الحق فيما وقع الخلاف فيه، نحو: أموال التجارة، وصدقة الخيل، وزكاة مال الصبي، والحلي المباح اللبس غير المعد للتجارة، والعروض، والغنم، والبقر المعلوفة، والدين، وغير ذلك مما اختلف فيه.
وقال خويزمنداذ: في الآية دليل على بجواز أكل الوالد من مال الولد، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم) قال: (أولادكم من طيب أكسابكم فكلوا من مال أولادكم هنيأ) إنتهى.
وروت عائشة عنه صلى الله عليه وسلم): (أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه).
* (ومما أخرجنا لكم من الارض) * يعني من أنواع الحبوب والثمار والمعادن والركاز، وفي قوله: أخرجنا لكم، امتنان وتنبيه على الإحسان التام كقوله: * (هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا) * والمراد: من طيبات ما أخرجنا، فحذف لدلالة ما قبله. وما بعده عليه، وكرر حرف الجر على سبيل التوكيد، أو إشعارا بتقدير عامل آخر، حتى يكون الأمر مرتين.
وفي قوله: * (ومما أخرجنا لكم من الارض) * دلالة على وجوب الزكاة فيما تخرجه الأرض من قليل وكثير من سائر الأصناف لعموم الآية، إذ قلنا إن الأمر للوجوب، وبين العلماء خلاف في مسائل كثيرة مما أخرجت الأرض تذكر في كتب الفقه.
* (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * هذا مؤكد للأمر، إذ هو مفهوم من قوله: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * وفي هذا طباق بذكر الطيبات والخبيث.
وقرأ البزي: ولا تمموا، بتشديد التاء، أصله: تتيمموا، فأدغم التاء في التاء، وذلك في مواضع من القرآن، وقد حصرتها في قصيدتي في القراءات المسماة (عقدة اللآلىء) وذلك في أبيات وهي:
* تولوا بأنفال وهود هما معا * ونور وفي المحنة بهم قد توصلا *