وكذلك قرأ عكرمة إلا أنه فتح الفاء وبنى الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله. وقرأ ابن هرمز، فيما حكى عنه المهدوي بالتاء ورفع الراء، وحكي عن عكرمة، وشهر بن حوشب: بالتاء ونصب الراء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر: بالنون ورفع الراء. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي: بالنون والجزم، وروي الخفض عن الأعمش بالنون ونصب الراء فيمن قرأ بالياء.
فالأظهر أن الفعل مسند إلى الله تعالى، كقراءة من قرأ: ونكفر، بالنون فإنه ضمير لله تعالى بلا شك، وقيل: يعود على الصرف، أي صرف الصدقات، ويحتمل أن يعول على الإخفاء أي: ويكفر إخفاء الصدقات ونسب التكفير إليه على سبيل المجاز لأنه سبب التكفير، ومن قرأ بالتاء فالضمير في الفعل للصدقات، ومن رفع الراء فيحتمل أن يكون الفعل خبر مبتدأ محذوف، أي: ونحن نكفر، أي: وهو يكفر، أي: الله. أو الإخفاء أي: وهي تكفر أي: الصدقة.
ويحتمل أن يكون مستأنفا لا موضع له من الإعراب، وتكون الواو عطفت جملة كلام على جملة كلام، ويحتمل أن يكون معطوفا على محل ما بعد الفاء، إذ لو وقع مضارع بعدها لكان مرفوعا، كقوله: * (سلف ومن عاد فينتقم الله منه) * ومن جزم الراء فعلى مراعاة الجملة التي وقعت جزاء، إذ هي في موضع جزم، كقوله: * (ومن يضلل الله * فلا هادي) *.
ونذرهم، في قراءة من جزم، ونذرهم، ومن نصب الراء فبإضمار: أن، وهو عطف على مصدر متوهم، ونظيره قراءة من قرأ * (يحاسبكم به الله فيغفر) * بنصب الراء، إلا أنه هنا يعسر تقدير ذلك المصدر المتوهم من قوله: فهو خير لكم، فيحتاج إلى تكلف بخلاف قوله: يحاسبكم، فإنه يقدر تقع محاسبة فغفران.
وقال الزمخشري: ومعناه: وإن تخفوها يكن خيرا لكم، وأن نكفر عنكم. إنتهى.
وظاهر كلامه هذا أن تقديره؛ وأن نكفر، يكون مقدرا بمصدر، ويكون معطوفا على: خيرا، خبر يكن التي قدرها كأنه قال: يكن الإخفاء خيرا لكم وتكفيرا، فيكون: أن يكفر في موضع نصب.
والذي تقرر عند البصريين أن هذا المصدر المنسبك من أن المضمرة مع الفعل المنصوب بها هو مرفوع معطوف على مصدر متوهم مرفوع، تقديره من المعنى، فإذا قلت: ما تأتينا فتحدثنا، فالتقدير: ما يكون منك إتيان فحديث، وكذلك إن تجيء وتحسن إلى أحسن إليك، التقدير إن يكن منك مجيء وإحسان أحسن إليك. وكذلك ما جاء بعد جواب الشرط. كالتقدير الذي قدرناه في: يحاسبكم به الله، في قراءة من نصب، فيغفر، فعلى هذا يكون التقدير: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن زيادة خير للإخفاء على خير للإبداء وتكفير.
وقال المهدوي: في نصب الراء: هو مشبه بالنصب في جواب الإستفام، إذ الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره كالاستفهام.
وقال ابن عطية: بالجزم في الراء أفصح هذه القراءات لأنها تؤذن بدخول التكفير في الجزاء، وكونه مشروطا إن وقع الإخفاء، وأما رفع الراء فليس فيه هذا المعنى. إنتهى.
ونقول: إن الرفغ أبلغ وأعم، لأن الجزم يكون على أنه معطوف على جواب الشرط الثاني، والرفع بدل على أن التكفير مترتب من جهة المعنى على بذل الصدقات، أبديت أو أخفيت، لأنا نعلم أن هذا التكفير متعلق بما قبله، ولا يختص التكفير بالإخفاء فقط، والجزم يخصصه به، ولا يمكن أن يقال: إن الذي يبدي الصدقات لا يكفر من سيئآته، فقد صار التكفير شاملا للنوعين من إبداء الصدقات وإخفائها، وإن كان الإخفاء خيرا من الإبداء.
و: من، في قوله: من سيئاتكم، للتبغيض، لأن الصدقة لا تكفر جميع السيئات. وحكى الطبري عن فرقة قالت: من، زائدة في هذا الموضع. قال ابن عطية وذلك منهم خطأ، وقول من جعلها سببية وقدر: من أجل ذنوبكم ضعيف.
* (والله بما تعملون خبير) * ختم الله بهذه الصفة لأنها تدل على العلم بما لطف من الأشياء وخفي، فناسب الإخفاء ختمها بالصفة المتعلقة بما خفي، والله أعلم.
* (ليس عليك هداهم ولاكن الله يهدى من يشاء) * اختلف النقل في سبب نزول هذه الآية، ومضمونها أن من أسلم كره أن يتصدق على قريبه المشرك، أو على المشركين، أو