أحدهما: النصب على الاستثناء وهو الأفصح: والثاني: أن يكون ما بعد: إلا، تابعا لإعراب المستثنى منه، إن رفعا فرفع، أو نصبا فنصب، أو جرا فجر، فتقول: قام القوم إلا زيد، ورأيت القوم إلا زيدا، ومررت بالقوم إلا زيد: وسواء كان ما قبل: إلا، مظهرا أو مضمرا. واختلفوا في إعرابه، فقيل: هو تابع على أنه نعت لما قبله، فمنهم من حمل هذا على ظاهر العبارة. وقال: ينعت بما بعد: إلا، الظاهر والمضمر، ومنهم من قال: لا ينعت به إلا النكرة أو المعرفة بلام الجنس، فإن كان معرفة بالإضافة نحو: قام اخوتك، أو بالألف واللام للعهد، أو بغير ذلك من وجوه التعاريف غير لام الجنس، فلا يجوز الاتباع، ويلزم النصب على الاستثناء. ومنهم من قال: إن النحويين يعنون بالنعت هنا عطف البيان، ومن الاتباع بعد الموجب قوله:
* وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان * وهذه المسألة مستوفاة في علم النحو.
وإنما أردنا أن ننبه على أن تأويل الزمخشري هذا الموجب بمعنى النفي لا نضطر إليه، وأنه كان غير ذاكر لما قرره النحويون في الموجب.
* (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن) * ظاهره أنه ما جاز النهر إلا هو والمؤمنون، وكذلك روي عن ابن عباس، والسدي: أن الذين شربوا وخالفوا انحرفوا، ولم يجاوزوا، وقيل: بل كلهم جاوز لكن لم يحضر القتال إلا القليل.
وجاوز: فاعل فيه بمعنى فعل، أي جاز. والذين آمنوا معه: عدة أهل بدر وقال ابن عباس، والسدي: جاز معه أربعة آلاف. قال ابن عباس: منهم من شرب، قالا: فلما نظروا إلى جالوت وجنوده، قالوا لا طاقة لنا اليوم، ورجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون، وأكثر المفسرين على أنه إنما جاوز النهر من لم يشرب إلا غرفة. ومن لم يشرب جملة. ثم اختلفت بصائر هؤلاء، فبعض كع، وقليل صم، و: هو، توكيد للضمير المستكن في جاوزه، و: الذين، يحتمل أن يكون معطوفا على الضمير المستكن، ويحتمل أن تكون الواو للحال ويلزم من الحال أن يكونوا جاوزوا معه، والأظهر أن يكون للعطف وإدغام جاوزه في هو ضعيف، ولا يستحسن، إلا إن كانت الهاء مختلسة لا إمالة لها.
* (قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) * قائل ذلك الكفرة الذين انخزلوا، وهو الفاعل في شربوا، قاله ابن عباس والسدي. وقيل: من قلت بصيرته من المؤمنين، وهم الذين جاوزوا النهر وهم القليل، قاله الحسن، وقتادة، والزجاج.
طاقة: من الطوق، وهو القوة، وهو من: أطاق، كأطاع طاعة، وأجاب جابة، وأغار غارة. ويتعلق: لنا، بمحذوف إذ هو في موضع الخبر، ولا يجوز أن يتعلق: بطاقة، لأنه كان يكون طاقة مطولا، فيلزم تنوين، واليوم منصوب بما تعلق به لنا وبجالوت: متعلق به. وأجاز بعضهم أن يكون: بجالوت، في موضع الخبر، وليس المعنى على ذلك.
* (قال الذين يظنون أنهم ملاقوا * الله) * يحتمل أن يكون الظن على بابه، ومعنى: ملاقو الله، أي يستشهدون في ذلك اليوم لعزمهم على صدق القتال، وتصميمهم على لقاء أعدائهم، كما جرى لعبد الله بن حزام في أحد، وغيره قاله الزجاج في آخرين. وقيل: ملاقو ثواب الله بسبب الطاعة. لأن كل أحد لا يعلم عاقبة أمره فلا بد من أن يكون ظانا، وقيل: ملاقو طاعة الله، لأنه لا يقطع أن عمله هذا إطاعة، لأنه ربما شابه شيء من الرياء والسمعة، وقيل: ملاقو وعد الله إياهم بالنصر، لأنه وإن كان مقطوعا به فهو مظنون في المرة الأولى، ويحتمل أن يكون الظن بمعنى الإيقان: أي: يوقنون بالبعث والرجوع إلى الله قاله السدي في آخرين.
* (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) *. هذا القول تحريض من العازمين على القتال وحض عليه، واستشعار للصبر واقتداء بمن صدق الله.