ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا أن لا مفر من قضاء الله. وقيل: مر عليهم حزقيل بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم، وتفرقت أوصالهم، فلوى شدقه وأصابعه تعجبا مما رأى أي. فأوحى إليه: ناد فيهم أن قوموا بإذن الله. فنادى، فنظر إليهم قياما يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله لا أنت. وممن قال فروا من الطاعون: الحسن، وعمار بن دينار.
وقيل: فروا من الحمى، حكاه النقاش.
وقد كثر الاختلاف والزيادة والنقص في هذه القصص، والله أعلم بصحة ذلك، ولا تعارض بين هذه القصص، إلا أن عين أن * (الذين خرجوا من ديارهم) * هم من ذكر في القصة لا غير، وإلا فيجوز أن ذكرت كل قصة على سبيل المثال، إذ لا يمتنع أن يفر ناس من الجهاد، وناس من الطاعون، وناس من الحمى، فيميتهم ثم يحييهم ليعتبروا بذلك، ويعتبر من يأتي بعدهم، وليعلموا جميعا أن الإماتة والإحياء بيد الله، فلا ينبغي أن يخاف من شيء مقدر، ولا يغتر فطن بحيلة أنها تنجيه مما شاء الله.
* (وهم) * في هذا تنبيه على أن الكثرة والتعاضد، وإن كانا نافعين في دفع الأذيات الدنيوية، فليسا بمغنيين في الأمور الإلهية. وهي جملة حالية، وألوف جمع ألف جمع كثرة، فناسب أن يفسر بما زاد على عشرة آلاف، فقيل: ستمائة ألف. وقال عطاء: تسعون، وقيل: ثمانون، وقال عطاء أيضا سبعون وقال ابن عباس: أربعون. وقال أيضا: بضع وثلاثون. وقال أبو مالك: ثلاثون، يعنون ألفا.
وقد فسر بما هو لأدنى العدد استعير لفظ الجمع الكثير للجمع القليل، فقال أبو روق: عشرة آلاف، وقال الكلبي ومقاتل: ثمانية، وقال أبو صالح: سبعة، وقال ابن عباس، وابن جبير: أربعة وقال عطاء الخراساني: ثلاثة آلاف.
وقال البغوي: ألاولى قول من قال: إنهم كانوا زيادة على عشرة آلاف، لأن ألوفا جمع الكثير، ولا يقال لما دون العشرة الآلاف ألوف. انتهى. وهذا ليس كما ذكر، فقد يستعار أحد الجمعين للآخر، وإن كان الأصل استعمال كل واحد منهما في موضوعه.
وهذه التقديرات كلها لا دليل على شيء منها، ولفظ القرآن: * (ديارهم وهم ألوف) * لم ينص على عدد معين، ويحتمل أن لا يراد ظاهر جمع ألف، بل يكون ذلك المراد منه التكثير، كأنه قيل: خرجوا من ديارهم وهم عالم كثيرون، لا يكادون يحصيهم عاد، فعبر عن هذا المعنى بقوله: وهم ألوف، كما يصح أن تقول: جئتك ألف مرة، لا تريد حقيقة العدد إنما تريد جئتك مرارا كثيرة لا تكاد تحصى من كثرتها ونظير ذلك قول الشاعر:
* هو المنزل الآلاف من جو ناعط * بني أسد حزنا من الأرض أوعرا ولعل من كان معه لم يكن ألوفا، فضلا عن أن يكونوا آلافا، ولكنه أراد بذلك التكثير، لأن العرب تكثر بآلاف وتجمعه، والجمهور على أن قوله: وهم ألوف، جمع ألف العدد المعروف الذي هو تكرير مائة عشر مرات، وقال ابن زيد: ألوف جمع آلف. كقاعد وقعود. أي: خرجوا وهم مؤتلفون لم يخرجهم فرقة قومهم ولا فتنة بينهم، بل ائتلفوا، فخالفت هذه الفرقة، فخرجت فرارا من الموت وابتغاء الحياة، فأماتهم الله في منجاهم بزعمهم. وقال الزمخشري: وهذا من بدع التفاسير، وهو كما قال.
* وقال القاضي: كونه جمع ألف من العدد أولى، لأن ورود الموت عليهم وهم كثرة عظيمة تفيد مزيد اعتبار، وأما وروده على قوم بينهم ائتلاف فكوروده وبينهم اختلاف في أن وجه الاعتبار لا يتغير.
* (حذر الموت) * هذا علة لخروجهم، لما غلب على ظنهم الموت بالطاعون أو بالجهاد، حملهم على الخروج ذلك، وهو مفعول من أجله، وشروط