بالشروط التي تقدمت، وهذا مفهوم من صدر الآية، والحكم الثاني: أنه يجوز للزوج الثاني الذي طلقها أن يراجعها، لأنه ينزل منزلة الأول، فيجوز لهما أن يتراجعا، ويكون ذلك دفعا لما يتبادر إليه الذهن من أنه إذا طلقها الثاني حلت للأول، فبكونها حلت له اختصت به، ولا يجوز للثاني أن يردها، فيكون قوله: * (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) * مبينا أن حكم الثاني حكم الأول، وأنه لا يتحتم أن الأول يراجعها، بل بدليل إن انقضت عدتها من الثاني فهي مخيرة فيمن يرتد منهما أن تتزوجه، فإن لم تنقض عدتها، وكان الطلاق رجعيا، فلزوجها الثاني أن يراجعها، وعلى هذا لا يحتاج إلى حذف بين قوله: * (فإن طلقها) * وبين قوله: * (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) * ويحتاج إلى الحذف إذا كان الضمير في: عليهما، عائدا على المطلق ثلاثا وعلى الزوجة، وذلك المحذوف هو، وانقضت عدتها منه، أي: فإن طلقها الثاني وانقضت عدتها منه فلا جناح على المطلق ثلاثا والزوجة أن يتراجعا، وقوله: * (إن ظنا أن يقيما حدود الله) * أي: إن ظن الزوج الثاني والزوجة أن يقيما حدود الله، لأن الطلاق لا يكاد يكون في الغالب إلا عند التشاجر والتخاصم والتباغض، وتكون الضمائر كلها منساقة انسياقا واحدا لا تلوين فيه، ولا اختلاف مع استفادة هذين الحكمين من حمل الضمائر على ظاهرها، وهذا الذي ذكرناه غير منقول، بل الذي فهموه هو تكوين الضمائر واختلافها.
* (أن يتراجعا) * أي: في أن يتراجعا، والضمير في: عليهما، وفي: أن يتراجعا، على ما فسروه، عائد على الزوج الأول والزوجة التي طلقها الزوج الثاني.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه الحر، إذا طلق زوجته ثلاثا. ثم انقضت عدتها، ونكحت زوجا ودخل بها، ثم نكحها الأول، أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات ثم ترجع إلى الأول؛ فقالت طائفة: تكون على ما بقي من طلاقها، وبه قال أكابر الصحابة: عمر، وعلي، وأبي، وعمران بن حصين، وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومن التابعين: عبيدة السلماني، وابن المسيب، والحسن، ومن الأئمة: مالك، والثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، ومحمد بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن نصر.
وقالت طائفة: يكون على نكاح جديد بهدم الزوج الثاني الواحدة والثنتين كما يهدم الثلاث، وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، والنخعي، وشريح، وأصحاب عبد الله إلا عبيدة وهو مذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف.
وقيل: قول ثالث إن دخل بها الآخر فطلاق جديد، ونكاح الأول جديد، وإن لم يكن يدخل بها فعلى ما بقي.
* (إن ظنا أن يقيما حدود الله) * أي إن ظن كل واحد منهما أنه يحسن عشرة صاحبه، وما يكون له التوافق بينهما من الحدود التي حدها الله لكل واحد منهما، وقد ذكرنا طرقا مما لكل واحد منهما على الآخر في قوله: * (ولهن مثل * الذين * عليهن بالمعروف) * وقال ابن خويز: اختلف أصحابنا، يعني أصحاب مالك، هل على الزوجة خدمة أم لا؟ فقال بعضهم: ليس على الزوجة أن تطالب بغير الوطء. وقال بعضهم: عليها خدمة مثلها، فإن كانت شريفة المحل، ليسار أبوة أو ترفة، فعليها تدبير أمر المنزل وأمر الخادم، وإن كانت متوسطة الحال فعليها ان تفرش الفراش ونحوه، وإن كانت من نساء الكرد والدين في بلدهن كلفت ما تكلفه نساؤهم، وقد جرى أمر المسلمين في بلدانهم، في قديم الأمر وحديثه، بما ذكرنا. ألا ترى أن نساء الصحابة كن يكلفن الطحن والخبيز والطبيخ وفرش الفراش وتقريب الطعام وأشباه ذلك، ولا نعلم امرأة امتنعت من ذلك، بل كانوا يضربون نساءهم إذا قصرن في ذلك.
و: إن ظنا، شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه، فيكون جواز التراجع موقوفا على شرطين: أحدهما: طلاق الزوج الثاني، والآخر: ظنهما إقامة حدود الله، ومفهوم الشرط الثاني أنه لا يجوز: إن لم يظنا، ومعنى الظن هنا تغليب أحد الجائزين، وبهذا يتبين أن معنى الخوف في آية الخلع معنى الظن، لأن مساق الحدود مساق واحد.
وقال أبو عبيدة وغيره المعنى: أيقنا، جعل الظن هنا