يبين لكم. الآيات، لا: ب يتفكرون، ويتعلق بلفظ: يبين، أي: يبين الله في الدنيا والآخرة. وروي هذا عن الحسن.
ولا بد من تأويل على هذا إن كان التبيين للآيات يقع في الدنيا، فيكون التقدير في أمر الدنيا والآخرة، وإن كان يقع فيهما، فلا يحتاج إلى تأويل، لأن الآيات، وهي: العلامات يظهرها الله تعالى في الدنيا والآخرة.
وجعل بعضهم هذا القول من باب التقديم والتأخير، إذ تقديره عنده كذلك: ويمكن الحمل على ظاهر الكلام لتعلق: في الدنيا والآخرة، بتتفكرون، ففرض التقديم والتأخير، على ما قاله الحسن، يكون عدولا عن الظاهر لا الدليل، وإنه لا يجوز، وليس هذا من باب التقديم والتأخير، لأن: لعل، هنا جارية مجرى التعليل، فهي كالمتعلقة: بيبين، وإذا كانت كذلك فهي والظرف من مطلوب: يبين، وتقدم أحد المطلوبين، وتأخر الآخر، لا يكون ذلك من باب التقديم والتأخير.
ويحتمل أن تكون: لعلكم تتفكرون، جملة اعتراضية، فلا يكون ذلك من باب التقديم والتأخير، لأن شرط جملة الاعتراض أن تكون فاصلة بين متقاضيين.
قال ابن عطية، وقال مكي: معنى الآية أنه يبين للمؤمنين آيات في الدنيا والآخرة، يدل عليهما وعلى منزلتهما، لعلكم تتفكرون في تلك الآيات. قال ابن عطية: فقوله: في الدنيا، متعلق على هذا التأويل: بالآيات، انتهى كلامه. وشرح مكي الآية بأن جعل الآيات منكرة، حتى يجعل الظرفين صفة للآيات، والمعنى عنده: آيات كائنة في الدنيا والآخرة، وهو شرح معنى لا شرح إعراب، وما ذكره ابن عطية من أنه متعلق على هذا التأويل بالآيات؛ إن عنى ظاهر ما يريده النحاة بالتعلق فهو فاسد، لأن الآيات لا يتعلق بها جار ومجرور، ولا تعمل في شيء البتة، وإن عنى أنه يكون الظرف من تمام الآيات، وذلك لا يتأتى إلا باعتقاد أن تكون في موضع الحال، أي: كائنة في الدنيا والآخرة، ولذلك فسره مكي بما يقتضي أن تكون صفة، إذ قدر الآيات منكرة، والحال والصفة سواء في أن العامل فيهما محذوف إذا كانا ظرفين أو مجرورين، فعلى هذا تكون: في الدنيا، متعلقا بمحذوف لا بالآيات، وعلى رأي الكوفيين، تكون الآيات موصولا وصل بالظرف؛ ولتقرير مذهبهم ورده موضع غير هذا.
* (فى الدنيا والاخرة) *: سبب نزولها أنهم كانوا في الجاهلية يتحرجون من مخالطة اليتامى في مأكل ومشرب وغيرهما، ويتجنبون أموالهم، قاله الضحاك، والسدي. وقيل: لما نزلت * (ولا تقربوا مال اليتيم) * * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى) * تجنبوا اليتامى وأموالهم، وعزلوهم عن أنفسهم فنزلت، قاله ابن عباس، وابن المسيب.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها، أنه لما ذكر السؤال عن الخمر والميسر، وكان تركهما مدعاة إلى تنمية المال، وذكر السؤال عن النفقة، وأجيبوا بأنهم ينفقون ما سهل عليهم، ناسب ذلك النظر في حال اليتيم، وحفظ ماله، وتنميته، وإصلاح اليتيم بالنظر في تربيته، فالجامع بين الآيتين أن في ترك الخمر والميسر إصلاح أحوالهم أنفسهم، وفي النظر في حال اليتامى إصلاحا لغيرهم ممن هو عاجز أن يصلح نفسه، فيكون قد جمعوا بين النفع لأنفسهم ولغيرهم.
والظاهر أن السائل جمع الاثنين بواو الجمع وهي للجمع به وقيل به.
وقال مقاتل: السائل ثابت بن رفاعة الأنصاري، وقيل: عبد الله بن رواحة، وقيل: السائل من كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم) من المؤمنين، فإن العرب كانت تتشاءم بخلط أموال اليتامى بأموالهم، فأعلم تعالى المؤمنين أنما كانت مخالطتهم مشؤومة لتصرفهم في أموالهم تصرفا غير سديد، كانوا يضعون الهزيلة مكان السمينة، ويعوضون التافه عن النفيس، فقال تعالى: * (قل إصلاح لهم خير) * الإصلاح لليتيم يتناول إصلاحه بالتعليم والتأديب، وإصلاح ما له بالتنمية والحفظ.
وإصلاح: مبتدأ وهو نكرة، ومسوغ