* إن هو مستوليا على أحد * إلا على أضعف المجانين * وقد نسب السهيلي وغيره إلى سيبويه جواز إعمالها إعمال ما، وليس في كتابه نص على ذلك. ومعنى يظنون، قال مجاهد: يكذبون، وقال آخرون: يتحدثون، وقال آخرون: يشكون، وهو التردد بين أمرين، لا يترجح أحدهما على الناظر فيهما، والأولى حمله على موضوعه الأصلي، وهو الترجيح لأحد الأمرين على الآخر، إذ لا يمكن حمله على اليقين، ولا يلزم من الترجيح عندهم أن يكون ترجيحا في نفس الأمر. وقال مقاتل: معناه ليسوا على يقين، إن كذب الرؤساء، أو صدقوا، بايعوهم. انتهى كلامه. وأتى بالخبر فعلا مضارعا، ولم يأت باسم الفاعل، لأنه يدل على حدوث الظن وتجدده لهم شيئا فشيئا، فليسوا ثابتين على ظن واحد، بل يتجدد لهم ظنون دالة على اضطراب عقائدهم واختلاف أهوائهم. وفي هذه الآية دليل على أن المعارف كسببية، وعلى بطلان التقليد، وعلى أن المغتر بإضلال المضل مذموم، وعلى أن الاكتفاء بالظن في الأصول غير جائز، وعلى أن القول بغير دليل باطل، وعلى أن ما تساوي وجوده وعدمه لا يجوز المصير إلى أحدهما إلا بدليل سمعي، وتمسك بها أيضا منكرو القياس، وخبر الواحد، لأنهما لا يفيدان العلم.
* (يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) * الآية. قيل: نزلت في الذين غيروا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وبدلوا نعته، فجعلوه آدم سبطا طويلا، وكان في كتابهم على الصفة التي هو بها، فقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة هذا النبي الذي يبعث في آخر الزمان، ليس يشبه نعت هذا، وكانت الأحبار من اليهود يخافون أن يذهب مأكلتهم بإبقاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم) على حالها، فلذلك غيروها. وقيل: خاف ملوكهم على ملكهم، إذا آمن الناس كلهم، فجاءوا إلى أحبار اليهود فجعلوا لهم عليهم وضائع ومآكل، وكشطوها من التوراة، وكتبوا بأيديهم كتابا، وحللوا فيه ما اختاروا، وحرموا ما اختاروا. وقيل: نزلت في الذين لم يؤمنوا بنبي، ولم يتبعوا كتابا، بل كتبوا بأيديهم كتابا، وحللوا فيه ما اختاروا، وحرموا ما اختاروا، وقالوا: هذا من عند الله. وقال أبو مالك: نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح، كاتب النبي صلى الله عليه وسلم)، كان يغيره فارتد. وقد تقدم شرح ويل عند الكلام على المفردات، وذكر عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم): أنه جبل من نار جهنم، وذكر أن أبا سعيد روى: أنه واد في جهنم بين جبلين، يهوي فيه الهاوي، وذكر أن سفيان وعطاء بن يسار رويا أنه واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار. وحكى الزهراوي وجماعة: أنه باب من أبواب جهنم. وقيل: هو صهريج في جهنم. وقيل، عن سعيد بن جبير، إنه واد في جهنم، لو سجرت فيه جبال الدنيا لانماعت من حره، ولو صح في تفسير الويل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، لوجب المصير إليه. وقد تكلمت العرب في نظمها ونثرها بلفظة الويل قبل أن يجيء القرآن، ولم تطلقه على شيء من هذه التفاسير، وإنما مدلوله ما فسره أهل اللغة، وهو نكرة فيها معنى الدعاء، فلذلك جاز الابتداء بها، إذ الدعاء أحد المسوغات لجواز الابتداء بالنكرة، وهي تقارب ثلاثين مسوغا، وذكرناها في كتاب (منهج المسالك) من تأليفنا.
والكتابة معروفة، ويقال أول من كتب بالقلم إدريس، وقيل: آدم. والكتاب هنا قيل: كتبوا أشياء اختلقوها، وأحكاما بدلوها من التوراة حتى استقر حكما بينهم. وقيل: كتبوا في التوراة ما يدل على خلاف صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وبنوها في سفهائهم، وفي العرب، وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل، وصار سفهاؤهم، ومن يأتيهم من مشركي العرب، إذا سألوهم عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يقولون: ما هو هذا الموصوف عندنا في التوراة المبدلة المغيرة، ويقرؤوها عليهم ويقولون لهم: هذه التوراة التي أنزلت من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا. بأيديهم: تأكيد يرفع توهم المجاز، لأن قولك: زيد يكتب، ظاهره أنه يباشر الكتابة، ويحتمل أن ينسب إليه على طريقة المجاز، ويكون آمرا بذلك