على أنه من عند الله، الأخبار بالكذب البحت عن مدة إقامتهم في النار. وقد تقدم أن المس هو الإصابة، أي لن تصيبنا النار إلا أياما، استثناء مفرغ، أي لن تمسنا النار أبدا إلا أياما معدودة، وقد تقدم ذكر العدد في الأيام بأنها سبعة أو أربعون. وقيل: أراد بقوله: معدودة، أي قلائل يحصرها العد، لأنها معينة العد في نفسه.
ثم أخذ في رد هذه الدعوى والأخبار الكاذبة فقال: * (قل أتخذتم عند الله عهدا) * أي مثل هذا الإخبار الجزم لا يكون إلا ممن اتخذ عند الله عهدا بذلك، وأنتم لم تتخذوا به عهدا، فهو كذب وافتراء. وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم) بأن يرد عليهم بهذا الاستفهام الذي بدل على إنكار ما قالوه. وهمزة الوصل من اتخذ، انحذفت لأجل همزة الاستفهام، ومن سهل بنقل حركتها على اللام وحذفها قال: قل اتخذتم، بفتح اللام، لأن الهمزة كانت مفتوحة. وعند الله: ظرف منصوب باتخذتم، وهي هنا تتعدى لواحد، ويحتمل أن تتعدى إلى اثنين، فيكون الثاني الظرف، فيتعلق بمحذوف، والعهد هنا: بالميثاق والموعد، وقال ابن عباس معناه: هل قلتم لا إلاه إلا الله، وآمنتم وأطعتم فتدلون بذلك وتعلمون خروجكم من النار؟ فعلى التأويل الأول المعنى: هل عاهدكم الله على هذا الذي تدعون؟ وعلى الثاني: هل أسلفتم عند الله أعمالا توجب ما تدعون؟.
* (فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) *: هذه الجملة جواب الاستفهام الذي ضمن معنى الشرط، كقولك: أيقصدنا زيد؟ فلن نجيب من برنا. وقد تقدم الخلاف في جواب هذه الأشياء، هل ذلك بطريق التضمين أي يضمن الاستفهام والتمني والأمر والنهي إلى سائر باقيها معنى الشرط؟ أم يكون الشرط محذوفا بعدها؟ ولذلك قال الزمخشري: فلن يخلف متعلق بمحذوف تقديره: إن اتخذتم عنده عهدا فلن يخلف الله عهده، كأنه اختار القول الثاني من أن الشرط مقدر بعد هذه الأشياء. وقال ابن عطية: * (فلن * يخلق الله * عهده) *، اعتراض في أثناء الكلام، كأنه يريد أن قوله: * (أم تقولون) * معادل لقوله: * (قل أتخذتم عند الله عهدا) *، فصارت هذه الجملة، بين هاتين اللتين وقع بينهما التعادل، جملة اعتراضية، فلا يكون لها موضع من الإعراب، وكأنه يقول: أي هذين واقع؟ أإتخاذكم العهد عند الله؟ أم قولكم على الله ما لا تعلمون؟ وأخرج ذلك مخرج المتردد في تعيينه على سبيل التقرير، وإن كان قد علم وقوع أحدهما، وهو قولهم: * (على الله ما لا * يعلمون) *، ونظيره: * (وإنا أو * وإياكم * لعلى هدى أو فى ضلال مبين) *. وقد علم أيهما على هدى وأيهما هو في ضلال. وقيل: أم هنا منقطعة فيتقدر ببل والهمزة، كأنه قال: بل أتقولون على الله ما لا تعلمون؟ وهو استفهام إنكار، لأنه قد وقع منهم قولهم: على الله ما لا يعلمون، فأنكروا عليهم صدور هذا منهم. وفي قوله: * (فلن يخلف الله عهده) * دليل على أن الله لا يخلف وعده. واختلف في الوعيد، فذهب الجمهور إلى أنه لا يخلفه، كما لا يخلف وعده. وذهب قوم إلى جواز إخلاف إيعاده، وقالوا: خلاف الوعد قبيحد وإخلاف الوعيد حسن، وهي مسألة يبحث فيها في أصول الدين.
* (بلى) *: حرف جواب يثبت به ما بعد النفي، فإذا قلت: ما قام زيد، فقلت: نعم، كان تصديقا في نفي قيام زيد. وإذا قلت: بلى، كان نقضا لذلك النفي. فلما قالوا: * (لن تمسنا النار) *، أجيبوا بقوله: بلى، ومعناها: تمسكم النار. والمعنى على التأبيد، وبين ذلك بالخلود. * (من كسب سيئة) * من: يحتمل أن تكون شرطية، ويحتمل أن تكون موصولة، والمسوغات لجواز دخول الفاء في الخبر، إذا كان المبتدأ موصولا، موجودة هنا، ويحسنه المجيء في قسيمة بالذين، وهو موصول. والسيئة: الكفر والشرك، قاله ابن عباس ومجاهد. وقيل: الموجبة للنار، قاله السدي، وعليه تفسير من فسر السيئة بالكبائر، لأنها هي التي توجب النار، أي يستحق فاعلها النار إن لم تغفر له.
* (وأحاطت به خطيئته) *: قرأ الجمهور بالإفراد، ونافع: خطيئاته جمع سلامة، وبعض القراء: خطاياه جمع تكسير، والمعنى أنها أخذته من جميع نواحيه. ومعنى الإحاطة به أنه يوافي على الكفر والإشراك، هذا إذا فسرت الخطيئة بالشرك. ومن فسرها بالكبيرة، فمعنى