عباس. وقيل: في المجوس، قاله علي بن أبي طالب. وقيل: في اليهود والمنافقين. وقال عكرمة والضحاك: في نصارى العرب، فإنهم كانوا لا يحسنون الكتابة. وقيل: في قوم من أهل الكتاب، رفع كتابهم لذنوب ارتكبوها، فصاروا أميين. وقيل: في قوم لم يؤمنوا بكتاب ولا برسول، فكتبوا كتابهم وقالوا: هذا من عند الله، فسموا: أميين، لجحودهم الكتاب، فصاروا بمنزلة من لا يحسن شيئا. والقول الأول هو الأظهر، لأن سياق الكلام إنما هو مع اليهود، فالضمير لهم.
ومناسبة ارتباط هذه الآية: أنه لما بين أمر الفرقة الضالة التي حرفت كتاب الله، وهم قد عقلوه وعلموا بسوء مرتكبهم، ثم بين أمر الفرقة الثانية، المنافقين، وأمر الثالثة: المجادلة، أخذ يبين أمر الفرقة الرابعة، وهي: العامة التي طريقها التقليد، وقبول ما يقول لهم. قال أبو العالية ومجاهد وغيرهما ومن هؤلاء اليهود المذكورون، فالآية منبهة على عامتهم وأتباعهم، أي أنهم لا يطمع في إيمانهم. وقرأ أبو حياة وابن أبي عبلة: أميون، بتخفيف الميم، وقد تقدم أن الأمي هو الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب، أي لا يحسنون الكتب، فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها. و * (لا يعلمون الكتاب) *: جملة في موضع الصفة، والكتاب هو التوراة.
* (إلا أمانى) *: استثناء منقطع، لأن الأماني ليست من جنس الكتاب، ولا مندرجة تحت مدلوله، وهو أحد فسمي الاستثناء المنقطع، وهو الذي يتوجه عليه العامل. ألا ترى أنه لو قيل لا يعلمون إلا أماني لكان مستقيما؟ وهذا النوع من الاستثناء يجوز فيه وجهان، أحدهما: النصب على الاستثناء، وهي لغة أهل الحجاز والوجه الثاني: الاتباع على البدل بشرط التأخر، وهي لغة تميم. فنصب أماني من الوجهين، والمعنى: إلا ما هم عليه من أمانيهم، وأمانيهم أن الله يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، أو ما يمنيهم أحبارهم من أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة، أو لا يعلمون إلا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فنقلوها على التقليد، قاله ابن عباس ومجاهد، واختاره الفراء. وقيل: معناه إلا تلاوة، أي لا يعلمون فقه الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم. قال أبو مسلم: حمله على تمني القلب أولى، لقوله تعالى: * (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم) *. وقرأ الجمهور: أماني، بالتشديد. وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن جماز، عن نافع وهارون، عن أبي عمرو: أماني بالتخفيف، جمعه على أفاعل، ولم يعتد بحرف المد الذي في المفرد. قال أبو حاتم: كل ما جاء من هذا النحو واحده مشدد، فلك فيه التشديد والتخفيف مثل: أناني، وأغاني، وأماني، ونحوه. قال الأخفش هذا، كما يقال في جمع مفتاح مفاتيح ومفاتح، وقال النحاس: الحذف في المعتل أكثر، كما قال:
* وهل رجع التسليم أو يكشف العمى * ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع * * (وإن هم إلا) *، إن هنا: هي النافية، بمعنى ما، وهم: مرفوع بالابتداء، وإلا يظنون: في موضع الخبر، وهو من الاستثناء المفرغ. وإذا كانت إن نافية، فدخلت على المبتدأ والخبر، لم يعمل عمل ما الحجازية، وقد أجاز ذلك بعضهم، ومن أجاز شرط نفي الخبر وتأخيره، والصحيح أنه لا يجوز، لأنه لم يحفظ من ذلك إلا بيت نادر وهو: