تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٣٨
* ألا فاسأل الحجاف هل هو ثائر * بقتلي أصيبت من نمير بن عامر * وبلى عندنا ثلاثي الوضع، وليس أصله بل، فزيدت عليها الألف خلافا للكوفيين. السيئة: فيعلة من ساء يسوء مساءة، إذا حزن، وهي تأنيث السئ، وقد تقدم الكلام على هذا الوزن عند الكلام على قوله: * (أو كصيب) *، فأغنى عن إعادته.
* (وليتلطف ولا يشعرن بكم) *: ذكروا في سبب نزول هذه الآية أقاويل: أحدها: أنها نزلت في الأنصار، وكانوا حلفاء لليهود، وبينهم جوار ورضاعة، وكانوا يودون لو أسلموا. وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم) والمؤمنون يودون إسلام من بحضرتهم من أبناء اليهود، لأنهم كانوا أهل كتاب وشريعة، وكانوا يغضبون لهم ويلطفون بهم طمعا في إسلامهم. وقيل: نزلت فيمن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم) من أبناء السبعين الذين كانوا مع موسى عليه السلام في الطور، فسمعوا كلام الله، فلم يمتثلوا أمره، وحرفوا القول في أخبارهم لقومهم، وقالوا: سمعناه يقول إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا. وقيل: نزلت في علماء اليهود الذين يحرفون التوراة، فيجعلون الحلال حراما، والحرام حلالا، اتباعا لأهوائهم. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم) قال: (لا يدخل علينا قصبة المدينة إلا مؤمن). قال كعب بن الأشرف ووهب بن يهوذا وأشباههما: اذهبوا وتجسسوا أخبار من آمن، وقولوا لهم آمنا، واكفروا إذا رجعتم، فنزلت. وقيل: نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين: نحن نؤمن أنه نبي، لكن ليس إلينا، وإنما هو إليكم خاصة، فلما خلوا، قال بعضهم: أتقرون بنبوته وقد كنا قبل نستفتح به؟ فهذا هو الذي فتح الله عليهم من علمه. وقيل: نزلت في قوم من اليهود كانوا يسمعون الوحي، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه.
وهذه الأقاويل كلها لا تخرج عن أن الحديث في اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم)، لأنهم الذين يصح فيهم الطمع أن يؤمنوا، لأن الطمع إنما يصح في المستقبل، والضمير في * (أن يؤمنوا لكم) * لليهود. والمعنى: استبعد إيمان اليهود، إذ قد تقدم لأسلافهم أفاعيل، وجزى أبناؤهم عليها. فبعيد صدور الإيمان من هؤلاء، فإن قيل: كيف يلزم من إقدام بعضهم على التحريف حصول اليأس من إيمان الباقين؟ قيل: قال القفال: يحتمل أن يكون المعنى: كيف يؤمن هؤلاء وهم إنما يأخذون دينهم ويتعلمونه من قوم يحرفون عنادا؟ فإنما يعلمونهم ما حرفوه وغيروه عن وجهه، والمقلدون يقبلون ذلك منهم، فلا يلتفتون إلى الحق. وقيل: إياسهم من إيمان فرقة بأعيانهم.
والهمزة في أفتطعمون للاستفهام، وفيها معنى التقرير، كأنه قال: قد طمعتم في إيمان هؤلاء وحالهم ما ذكر. وقيل: فيه ضرب من النكير على الرغبة في إيمان من شواهد امتناعه قائمة. واستبعد إيمانهم، لأنهم كفروا بموسى، مع ما شاهدوا من الخوارق على يديه، ولأنهم ما اعترفوا بالحق، مع علمهم، ولأنهم لا يصلحون للنظر والاستدلال. والخطاب في أفتطعمون، للنبي صلى الله عليه وسلم) خاصة. خاطبه بلفظ الجمع تعظيما له، قاله ابن عباس ومقاتل، أو للمؤمنين، قاله أبو العالية وقتادة، أو للأنصار، قاله النقاش، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم) والمؤمنين، أو لجماعة من المؤمنين، أو لجماعة من الأنصار. والفاء بعد الهمزة أصلها التقديم عليها، والتقدير: أفتطعمون، فالفاء للعطف، لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام، فقدمت عليها. والزمخشري يزعم أن بين الهمزة والفاء فعل محذوف، ويقر الفاء على حالها، حتى تعطف الجملة بعدها على الجملة المحذوفة قبلها، وهو خلاف مذهب سيبويه، ومحجوج بمواضع لا يمكن تقدير فعل فيها، نحو قوله: * (أو من * ينشأ فى الحلية * أفمن يعلم أنما أنزل إليك) *، * (أفمن هو قائم) *. أن يؤمنوا معمول لتطعمون على إسقاط حرف الجر، التقدير:
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»