تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٣١
فليت دفعت الهم عني ساعة وتكون لما بمعنى حين، على مذهب الفارسي، أو حرف وجوب لوجوب، على مذهب سيبويه. والتقدير: وإن منها منقادا، أو لينا، وما أشبه هذا. فإذا كانوا قد حذفوا الاسم والخبر على ما تأوله بعضهم في لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال: إن وصاحبها، فحذف الاسم وحده أسهل. وقرأ الجمهور: يتفجر بالياء، مضارع تفجر. وقرأ مالك بن دينار: ينفجر بالياء، مضارع انفجر، وكلاهما مطاوع. أما يتفجر فمطاوع تفجر، وأما ينفجر فمطاوع فجر مخففا. والتفجر: التفتح بالسعة والكثرة، والانفجار دونه، والمعنى: إن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يندفق منها الماء الكثير الغمر. وقرأ أبي والضحاك: منها الأنهار. وقرأ الجمهور منه. فالقراءة الأولى حمل على المعنى، وقراءة الجمهور على اللفظ، لأن ما لها هنا لفظ ومعنى، لأن المراد به الحجارة، ولا يمكن أن يراد به مفردا لمعنى، فيكون لفظه ومعناه واحدا، إذ ليس المعنى * (وإن من الحجارة) * للحجر الذي يتفجر منه الماء، إنما المعنى للأحجار التي يتفجر منها الأنهار. وقد سبق الكلام على الأنهار في قوله تعالى: * (وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) * الآية. وقد ذهب بعضهم إلى أن الحجر الذي يتفجر منه الأنهار، هو الحجر الذي ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
* (وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء) *، التشقق: التصدع بطول أو بعرض، فينبع منه الماء بقلة حتى لا يكون نهرا. وقرأ الجمهور: يشقق، بتشديد الشين، وأصله يتشقق، فأدغم التاء في الشين. وقرأ الأعمش: تشقق، بالتاء والشين المخففة على الأصل، ورأيتها معزوة لابن مصرف. وفي النسخة التي وقفت عليها من تفسير ابن عطية. ما نصه: وقرأ ابن مصرف: ينشقق، بالنون وقافين، والذي يقتضيه اللسان أن يكون بقاف واحدة مشددة، وقد يجيء الفك في شعر، فإن كان المضارع مجزوما، جاز الفك فصيحا، وهو هنا مرفوع، فلا يجوز الفك، إلا أنها قراءة شاذة، فيمكن أن يكون ذلك فيها، وأما أن يكون المضارع بالنون مع القافين وتشديد الأولى منهما، فلا يجوز. قال أبو حاتم: لما تتفجر بالتاء، ولا يجوز تتشقق بالتاء، لأنه إذا قال: تتفجر فأنثه لتأنيث الأنهار، ولا يكون في تشقق. وقال أبو جعفر النحاس: يجوز ما أنكره أبو حاتم حملا على المعنى، لأن المعنى: وإن منها للحجارة التي تشقق، وإما يشقق بالياء، فمحمول على اللفظ. انتهى، وهو كلام صحيح. ولم ينقل هنا أن أحدا قرأ منها الماء، فيعيد على المعنى، إنما نقل ذلك في قوله: لما يتفجر منه الأنهار، فناسب الجمع الجمع، ولأن الأنهار من حيث هي جمع، يبعد في العادة أن تخرج من حجر واحد، وإنما تخرج الأنهار من أحجار، فلذلك ناسب مراعاة المعنى هنا. وأما فيخرج منه الماء، فالماء ليس جمعا، فلا يناسب في حمل منه على المعنى، بل أجرى يشقق، ومنه على اللفظ.
* (وإن منها لما يهبط من خشية الله) *، الهبوط هنا: التردي من علو إلى أسفل. وقرأ الأعمش: يهبط، بضم الباء، وقد تقدم أنها لغة. وخشية الله: خوفه. واختلف المفسرون في تفسير هذا، فذهب قوم إلى أن الخشية هنا حقيقة. واختلف هؤلاء، فقال قوم معناه: من خشية الحجارة لله تعالى، فهي مصدر مضاف للمفعول، وأن الله تعالى جعل لهذه الأحجار التي تهبط من خشية الله تعالى تمييزا قام لها مقام الفعل المودع فيمن يعقل، واستدل على ذلك بأن الله تعالى وصف بعض الحجارة بالخشية، وبعضها بالإرادة، ووصف جميعها بالنطق
(٤٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»