تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٩٨
* إذا جئتهم وسأيلتهم * وجدت بهم علة حاضره * الأصل ساءلتهم، والمعروف إبدال الهمزة ياء، فتقول: سايلتهم، فجمع بين العوض وهو الياء، وبين المعوض منه وهو الهمزة لكنه لما اضطر قدم الهمزة قبل ألف فاعل. وقال ابن جني: يحتمل أن يكون إبدال الهمزة في سألتم ياء، كما أبدلت ألفا في قوله:
سألت هذيل رسول الله فاحشة فانكسر السين قبل الياء، ثم تنبه للهمز فهمز. والمعنى: ما سألتم من البقول والحبوب التي اخترتموها على المن والسلوى. وقيل: ما سألتم من اتكالكم على تدبير أنفسكم في مصالح معاشكم وأحوال أقواتكم.
* (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) *: معنى الضرب هنا: الإلزام والقضاء عليهم، من ضرب الأمير البعث على الجيش، وكقول العرب: ضربة لازم، ويقال: ضرب الحاكم على اليد، وضرب الدهر ضرباته، أي ألزم إلزاماته، وقيل: معناه الإحاطة بهم والاشتمال عليهم مأخوذ من ضرب القباب. ومنه قول الفرزدق:
* ضربت عليك العنكبوت بنسجها * وقضى عليك بها الكتاب المنزل * وقيل: معناه التصقت بهم، من ضربت الحائط بالطين: ألصقته به. وقيل: معناه جعلت من ضربت الطين خزفا، أي جعلت عليهم الذلة والمسكنة. أما الذلة فقيل: هي هوانهم بما ضرب عليهم من الجزية التي يؤدونها عن يد وهم صاغرون، وقيل: هي ما ألزموا به من إظهار الزي ليعلم أنهم يهود، ولا يلتبسوا بالمسلمين، وقيل: فقر النفس وشحها، فلا ترى ملة من الملل أذل وأحرص من اليهود. وأما المسكنة: فالخشوع، فلا يرى يهودي إلا وهو بادي الخشوع، أو الخراج، وهو الجزية، قاله الحسن وقتادة، أو الفاقة والحاجة، قاله أبو العالية، أو ما يظهرونه من سوء حالهم مخافة أن تضاعف عليهم الجزية، أو الضعف، فتراه ساكن الحركات قليل النهوض. واستبعد صاحب المنتخب قول من فسر الذلة بالجزية، لأن الجزية لم تكن مضروبة عليهم من أول أمرهم. وقيل: هو من المعجزات، لأنه أخبر عنه صلى الله عليه وسلم). فكان كما أخبر، والمضروب عليهم الذلة والمسكنة اليهود المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، قاله الجمهور، أو الذين كفروا بآيات الله وقتلوا الأنبياء بغير حق. والقائلون: * (ادع لنا ربك) *، ومن تابعهم من أبنائهم أقوال ثلاثة.
* (وباءوا بغضب من الله) *: تقدم تفسيره باء، فعلى من قال: باء: رجع، تكون الباء للحال، أي مصحوبين بغضب، ومن قال: استحق، فالباء صلة نحو: لا يقرأن بالسور: أي استحقوا غضبا، ومن قال: نزل وتمكن أو تساووا، والباء ظرفية، فعلى القول الأول تتعلق بمحذوف، وعلى الثاني لا تتعلق، وعلى الثالث بنفس باء. وزعم الأخفش أن الباء في قوله بغضب للسبب، فعلى هذا تتعلق بباء، ويكون مفعول باء محذوفا، أي استحقوا العذاب بسبب غضب الله عليهم. وباء يستعمل في الخير: * (لنبوئنهم من الجنة غرفا) *، * (ولقد بوأنا بنى إسراءيل مبوأ صدق) *، * (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) *. وفي الشر: * (وباءوا بغضب من الله) *، * (ءان * تبوء بإثمى
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»