جعل فيها قابلية الإنبات نسب الإنبات إليها.
* (من بقلها) *: هذا بدل من قوله: * (مما تنبت الارض) *، على إعادة حرف الجر، وهو فصيح في الكلام، أعني أن يعاد حرف الجر في البدل. فمن على هذا التقدير تبعيضية، كهي في مما تنبت، ويتعلق بيخرج، إما الأولى، وإما أخرى مقدرة على الخلاف الذي في العامل في البدل، هل هو العامل الأول، أو ذلك على تكرار العامل؟ والمشهور هذا الثاني، وأجاز المهدوي أيضا، وابن عطية، وأبو البقاء أن تكون من في قوله: * (من بقلها) * لبيان الجنس، وعبر عنها المهدوي بأنها للتخصيص، ثم اختلفوا، فقال أبو البقاء: موضعها نصب على الحال من الضمير المحذوف تقديره: مما تنبته الأرض كائنا من بقلها، وقدم ذكر هذا الوجه قال: ويجوز أن تكون بدلا من ما الأولى بإعادة حرف الجر. وأما المهدوي، وابن عطية فزعما مع قولهما: إن من في * (من بقلها) * بدل من قوله: مما تنبت، وذلك لأن من في قوله * (مما تنبت) * للتبعيض، ومن في قوله * (من بقلها) * على زعمهما لبيان الجنس. فقد اختلف مدلول الحرفين، واختلاف ذلك كاختلاف الحرفين، فلا يجوز البدل إلا أن ذهب ذاهب إلى أن من في قوله: * (مما تنبت الارض) * لبيان الجنس، فيمكن أن يفرع القول بالبدل على كونها لبيان الجنس. والمختار ما قدمناه من كون من في الموضعين للتبعيض، وأما أن تكون لبيان الجنس، فقد أباه أصحابنا وتأولوا ما استدل به مثبت ذلك، والمراد بالبقل هنا: أطايب البقول التي يأكلها الناس، كالنعناع، والكرفس، والكراث، وأشباهها، قاله الزمخشري. وقرأ يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف وغيرهما: وقثائها بضم القاف، وقد تقدم أنها لغة.
* (وفومها) *: تقدم الكلام فيه، وللمفسرين فيه أقاويل ستة: أحدها: أنه الثوم، وبينته قراءة ابن مسعود: وثومها بالثاء، وهو المناسب للبقل والعدس والبصل. الثاني: قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي: أنه الحنطة. الثالث: أنه الحبوب كلها. الرابع: أنه الخبز، قاله مجاهد وابن عطاء وابن زيد. الخامس: أنه الحمص. السادس: أنه السنبلة. * (وعدسها وبصلها) *: وأحوال هذه الخمسة التي ذكروها مختلفة، فذكروا، أولا: ما هو جامع للحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، إذ البقل منه ما هو بارد رطب كالهندبا، ومنه ما هو حار يابس كالكرفس والسداب، ومنه ما هو حار وفيه رطوبة عرضية كالنعناع. وثانيا القثاء، وهو بارد رطب. وثالثا: الثوم، وهو حار يابس. ورابعا: العدس، وهو بارد يابس. وخامسا: البصل، وهو حار رطب، وإذا طبخ صار باردا رطبا، فعلى هذا جاء ترتيب ذكر هذه الخمسة.
* (قال أتستبدلون) *: الضمير في قال ظاهر عوده على موسى، ويحتمل عوده على الرب تعالى، ويؤيده * (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) *، والهمزة في * (أتستبدلون) * للإنكار، والاستبدال: الاعتياض. وقرأ أبي: أتبدلون، وهو مجاز لأن التبديل ليس لهم إنما ذلك إلى الله تعالى، لكنهم لما كانوا يحصل التبديل بسؤالهم جعلوا مبدلين، وكان المعنى: أتسألون تبديل. * (الذى هو أدنى بالذى هو خير) *، والذي: مفعول أتستبدلون، وهو الحاصل، والذي دخلت عليه الباء هو الزائل، كما قررناه في غير مكان. هو أدنى: صلة للذي، وهو هنا واجب الإثبات على مذهب البصريين، إذ لا طول في الصلة، وأدنى: خبر عن هو، وهو: أفعل التفضيل، ومن وما دخلت عليه حذفا للعلم، وحسن حذفهما كون أفعل التفضيل خبرا، فإن وقع غير خبر مثل كونه حالا أو صفة قل الحذف وتقديره: أدنى من ذلك الطعام الواحد، وحسن حذفهما أيضا كون المفضل عليه مذكورا بعد ذلك، وهو قوله: * (بالذى هو خير) *، وأفرد: * (الذى هو أدنى) * لأنه أحال به على المأكول الذي هو * (مما تنبت الارض) *، وعلى ما من قوله: * (مما تنبت) *،